جراح نفطية غائرة في ولاية ألاسكا الأميركية
تخفيض ضخّ النفط في أنبوب الغاز بنسبة 10%
- كونوكو فيليبس تقلص إنفاقها على مشروعات ألاسكا 200 مليون دولار
- شركة أويل سيرش ألاسكا تخفض ميزانية مشروع نانوشوك 70 مليون دولار
- بي بي تعلق عمليات الحفر في خليج برودهو وتبيع أصولها لشركة هيلكورب
- توقعات بتجاوز عجز ميزانية الولاية 300 مليار دولار
حازم العمدة
تخفيض ضخّ النفط في أنبوب الغاز بنسبة 10 %.. شركة (كونوكو فيليبس) تخفض 200 مليون دولار أخرى من إنفاقها الرأسمالي في مشروعات ألاسكا لهذا العام.. شركة بريتيش بتروليوم تعلّق برنامج الحفر في خليج برودهو.. تقليص إنفاق شركة (أويل سيرش ألاسكا) على مشروع نانوشوك النفطي الكبير بنحو 70 مليون دولار.. وأكثر التقييمات تفاؤلًا تتوقّع عجزًا في ميزانية ألاسكا بنحو 300 مليون دولار.
تعكس هذه الأنباء والإعلانات عن تقليص الإنتاج والإنفاق الرأسمالي في ولاية ألاسكا حجم الجراح التي تعانيها صناعة الطاقة الأميركية بأسرها، في ظلّ انهيار أسعار النفط بعد تراجع الطلب عالميًا على النفط، جراء تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، وتدابير الإغلاق، وغيرها من الإجراءات التي اتّخذتها الحكومات لاحتواء الفيروس التاجي. وبات سيناريو "الإثنين الأسود" الذي هوى بأسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى المنطقة السالبة -لأوّل مرّة في التاريخ الأميركي- يخيّم على الصناعة في الولايات المتّحدة.
وسط توقّعات بارتفاع مخزونات النفط بشكل كبير الشهر المقبل، أعلنت (شركة خدمات خطّ أنابيب أليسكا) أن خطّ الأنابيب عبر ولاية ألاسكا سيخفض ضخّ النفط بنسبة 10 %.
تحدّد أليسكا حصصًا لكي تخفض شركات نقل النفط تدفّق الخام بنسبة 10 %، وهو ما يعادل 50 ألف برميل يوميًا من إنتاج مقاطعة نورث سلوب في ولاية ألاسكا.
قالت ميشيل إيغان -مديرة الاتّصالات في أليسكا- في بيان: "في حالات ارتفاع المخزون، يحقّ لأليسكا أن تطلب معلومات محدّثة عن حركة السفن من شركات النقل، أو تعديل أنشطة الشركة التي قد تؤثّر على سعة نظام خطّ الأنابيب، أو تطبيق حصص متساوية فيما يتعلّق بضخّ النفط ".
وأضاف البيان، إن أليسكا تواصل مراقبة مستويات مخزون منصة فالديز البحرية، ومعدّل التدفّق الوارد، والمخزون الحالي، وجدول حركة السفن.
وأُغلق سعر النفط الخام في نورث سلوب عند 11.60 دولارًا للبرميل، الجمعة، مقارنةً بسعر كان يتراوح بين 50 و55 دولارًا للبرميل في فبراير / شباط.
وانهارت أسعار خام غرب تكساس الوسيط المُدرج في بورصة نيويورك، لأوّل مرّة في التاريخ، إلى ما دون الصفر، عند انتهاء جلسة التداولات الإثنين الماضي، بسبب تخمة في المخزون، أجبرت المستثمرين على الدفع من جيوبهم، من أجل التخلّص من هذه السلعة.
ونظرًا إلى أن مهلة عقود مايو / أيّار الآجلة كانت ستنقضي الثلاثاء، تعيّن على المتعاملين العثور على مشترين في أقرب وقت ممكن.
لكن مع امتلاء منشآت التخزين في الولايات المتّحدة بشكل هائل خلال الأسابيع الأخيرة، أُجبر المتعاملون على الدفع لقاء الحصول على مشترين، ما تسبّب بإغلاق سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط على 37,63 دولارًا تحت الصفر.
وكانت أوبك+ أعلنت مؤخّرًا التوصّل لاتّفاق بين المنظّمة وشركائها لخفض الإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل يوميًا، بدءًا من مايو، لكن ذلك لم يكن كافيًا.
ويرى خبراء أن تراجع الأسعار إلى ما دون الصفر هو ردّ فعل على قلّة إمكانات التخزين قبل انقضاء مهلة عقود مايو.
قرارات صعبة
وفي هذا السياق، أصدرت السيناتور ليزا موركوفسكي والنائبان دان سوليفان و دون يونج بيانًا بشأن التخفيض جاء فيه:
"لقد أثّر وباء الفيروس التاجي (كورونا) وحرب أسعار النفط على ألاسكا بشدّة، ما تطلّب بعض القرارات الصعبة. لقد كنّا على اتّصال دائم مع أليسكا وغيرها من مؤسّسات النفط في نورث سلوب، ونعترف بأن هذه خطوة حكيمة يجب اتّخاذها في هذا الوقت. سنواصل بذل كلّ ما في وسعنا لدعم اقتصاد ألاسكا، وتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، ومعالجة الأزمة الحاليّة، حتّى نتمكّن من التغلّب على هذه الآثار في أسرع وقت ممكن".
ومع انهيار أسعار النفط وتخمة المعروض، أعلنت شركة الطاقة الأميركية (كونوكو فيليبس) تخفيض 200 مليون دولار أخرى من إنفاقها الرأسمالي على مشروعات ألاسكا هذا العام.
يأتي الإعلان الرسمي عن خفض الإنفاق بعد حوالي أسبوع من إخطار الشركة لمقاول الحفر في نورث سلوب (دويون دريلينغ)، بوقف عمل حفّاراتها وأطقمها، في محاولة للحدّ من انتشار مرض كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا.
في منتصف مارس / آذار، أعلن المسؤولون التنفيذيون في شركة كونوكو فيليبس عن تخفيض مبدئي في الإنفاق بقيمة 200 مليون دولار، لكن الشركة لم توضّح آنذاك أين ستطبّق هذه التخفيضات. وأنفقت الشركة ما يقرب من 1.5 مليار دولار على المشاريع الرأسمالية في ألاسكا العام الماضي.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي للشركة، رايان لانس، في مؤتمر عبر الهاتف، إن التخفيضات المستمرّة لإنتاج النفط في جميع أنحاء العالم لم تكن كافية لمواجهة تراجع الطلب الناجم عن تدابير الإغلاق المفروضة للحدّ من انتشار كوفيدا-19.
وقال لانس: "نتوقّع أن تكون الأسعار على مدى الأشهر القليلة المقبلة ضعيفة ومتقلّبة."
ووفقًا لإدارة الإيرادات في ألاسكا، يعدّ انخفاض أسعار النفط الخام في الولاية عند 11.60 دولارًا للبرميل، الأدنى منذ يناير / كانون الثاني 2002.
وكان قادة شركة كونوكو فيليبس يتباهون بالميزانية العمومية القويّة والمعاد هيكلتها، بعد انهيار أسعار النفط بين عامي 2014-2016 ، مع التركيز على تحقيق أرباح عند سعر 40 دولارًا للبرميل.
وقال لانس: "الأسعار الحالية تتجاوز بكثير نطاق التخطيط لدينا، ونعتقد أن هذه أدوات حكيمة يجب ممارستها في ظلّ هذه الظروف."
5 مليارات دولار
على مستوى الشركة، قامت الشركة بتخفيض الإنفاق بنحو 5 مليارات دولار عن توقّعاتها السابقة، منذ أوائل مارس / آذار. وتتوقّع الشركة أن تقلّص إنتاج النفط بنحو 225 ألف برميل يوميًا في لور 48 ( أو الولايات الأميركية الثماني والأربعين المتجاورة، هو مصطلح يقصد به الولايات الواقعة ما بين الحدود المكسيكية من الشمال والحدود الكندية إلى الجنوب، ضمن أراضي قارّة أميركا الشمالية) وكندا.
وقال رئيس قطاع العمليات في الشركة، مات فوكس، إن التقديرات الإضافية حول إنتاج النفط غير متاحة جزئيًا بسبب اضطرابات السوق.
وأضاف فوكس، إن برنامج الحفر الاستكشافي لشركة كونوكو فيليبس في نورث سلوب، توقّف لمنع تفشّي الفيروس في معسكرات الحفر النائية.
وفي وقت سابق، قال مسؤولو كونوكو فيليبس في ألاسكا، إن الشركة تخطّط لحفر سبعة آبار استكشافية في الاحتياطي النفطي الوطني في ألاسكا، هذا الشتاء.
بالإضافة إلى تخفيض كونوكوفيليبس الإجمالي لإنفاقها الرأسمالي بقيمة 400 مليون دولار، قالت شركة (أويل سيرش ألاسكا) في مارس / آذار، إنها ستخفض الإنفاق على تنمية مشروع نانوشوك النفطي الكبير بنحو 70 مليون دولار هذا العام.
كما أعلنت شركة الطاقة البريطانية العملاقة بريتيش بتروليوم (بي بي) أيضًا في أواخر مارس/أذار، أنها ستعلّق برنامج الحفر في خليج برودهو.
كما أكّدت، اليوم الإثنين، اعتزامها إتمام صفقة بيع أنشطتها في ألاسكا إلى شركة هيلكورب في يونيو/حزيران المقبل، بعد الحصول على الموافقات الرسمية المطلوبة.
يُذكر أنه جرى الإعلان عن هذه الصفقة لأوّل مرّة في أغسطس 2019. ووفقًا للاتّفاق المعدّل بين الشركتين، فإن قيمة الأصول المعروضة للبيع تبلغ 5.6 مليار دولار. في الوقت نفسه، فإن طريقة تنفيذ الصفقة وسداد قيمتها مازالت رهن التعديل في ضوء التقلّبات الأخيرة للأسواق، وانهيار أسعار النفط.
ووفقًا للصفقة الأصلية، وافقت شركة هيلكورب على دفع 4 مليارات دولار على المدى القصير، و1.6 مليار دولار من خلال أرباحها بعد ذلك. وكانت هيلكورب قد دفعت لشركة بي.بي 500 مليون دولار دفعةً مقدّمة عند توقيع الاتّفاق الأوّلي في 2019.
من ناحيتها، أشارت شركة بي.بي إلى أن الصفقة المعدّلة تتضمّن تعديلًا في طريقة ومراحل سداد الجزء المتبقّي من القيمة.
يُذكر أن هذه الصفقة هي جزء من خطّة بي.بي لبيع جزء من أصولها بقيمة 15 مليار دولار، بحلول منتصف 2021.
ميزانية ألاسكا
وفي ظلّ هذه الأزمة المتفاقمة، يواجه المشرّعون في ولاية ألاسكا واقعًا ماليًا مؤلمًا بسبب انهيار أسعار النفط.
فقبل أيّام، تلقّت اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب بالولاية آخر المستجدّات حول الوضع المالي.
وقال بات بيتني -رئيس اللجنة-: " في الوضع الراهن، يواجه المشرّعون عجزًا قدره 300 مليون دولار قبل دفع أرباح الصندوق الدائم، العام المقبل. وفي ظلّ الأرباح التي تقدّر بنحو 1000 دولار للفرد، يصل إجمال العجز في الميزانية إلى أكثر من مليار دولار"..
ووفقًا لتوقّعات الإيرادات المحدّثة، سيجري شطب مئات الملايين من الدولارات من الميزانية العمومية للولاية، ويرجع ذلك -إلى حدّ كبير- إلى الانهيار المستمرّ في سعر النفط في ألاسكا.
وقال بيتني، إن توقّعات الإيرادات لإنتاج النفط وأسعاره متفائلة على الأرجح، ما يعني أن عجز الدولة سيكون أكبر.
مع انخفاض أسعار النفط والإنتاج، ستصبح أرباح الصندوق الدائم لتغطية تكاليف خدمات الولاية ذات أهمّية متزايدة لميزانية ألاسكا. وفقًا لأحدث الأرقام ، قال بيتني، إن ما يقرب من 75 % من أرباح الصندوق الدائم تذهب لحكومة الولاية.
وأمام المشرّعين خيارات قليلة لسدّ الفجوة الماليّة. ففي ظلّ التوقّعات الحاليّة، سيكون احتياطي الميزانية الدستورية -وهو حساب المتبقّي للولاية- فارغًا بحلول الربيع المقبل.
يشار إلى أن السحب من الصندوق الدائم له عواقب سلبية، فسحب مليار دولار يعني أن الولاية لن تتمكّن من جني 50 مليون دولار سنويًا إلى الأبد.