تجّار النفط ينقّبون عن مساحات تخزين لتفادي سيناريو "الإثنين الأسود"
يلجئون إلى السفن والكهوف والقطارات والأنابيب غير المستخدمة
- تعاقدات مع عشرات السفن لتخزين 30 مليون برميل
- الخزانات العائمة تحوي 160 مليون برميل لأول مرة منذ 11 عاما
- "ستاندر آند بورز" تتوقع أن تكتظ خزانات العالم بنحو 2.97 مليار برميل
وسط تخمة المعروض وتراجع الطلب، بسبب تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، لم تعد المشكلة التي تؤرّق مضاجع تجّار النفط هي الحصول على شحنات نفط بأسعار مغرية، بقدر ما تتمثّل في معاناة البحث عن مكان للتخزين، مع امتلاء الكثير من مرافق التخزين التقليدية، واقتراب أخرى من الامتلاء.
يكافح تجّار النفط للعثور على ما يكفي من أماكن تخزين غير تقليدية، مثل السفن وعربات السكك الحديدية والكهوف وخطوط الأنابيب، حتّى لا يستيقظوا على كابوس، مثل "الإثنين الأسود"، الذي دفع بأسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون الصفر، لأوّل مرّة في التاريخ الأميركي، وهو ما يعود في المقام الأوّل إلى تخمة المخزون وامتلاء الخزّانات، وهو ما يجبر التجّار إلى الدفع للمشترين مقابل تخليصهم من النفط.
جرى حجز العشرات من سفن ناقلات النفط في الأيّام الأخيرة، لتخزين ما لا يقلّ عن 30 مليون برميل من وقود الطائرات والبنزين والديزل في البحر، كخزّانات عائمة، حيث إنّ الخزّانات البرّية ممتلئة أو محجوزة بالفعل، وفقًا للتجّار وبيانات الشحن .
وقال تجّار ومصادر شحن، إن هذا الرقم يضاف إلى نحو 130 مليون برميل من الخام، موجودة بالفعل في خزّانات عائمة. وهو أعلى بنحو 60% من مستوى تاريخي سجّلته قبل 11 عامًا، وكانت أكبر كمّية من النفط جرى تخزينها على الناقلات، قد بلغت 100 مليون برميل، عام 2009.
تتجمّع ناقلات النفط العملاقة أمام سواحل أغلب بلدان العالم، منتظرةً من يطلب تفريغ حمولتها، لكن مكوثها في الماء قد يطول، في ظلّ تباطؤ الطلب، ورفض شركات التكرير استلام شحنات بعد تراجع الطلب على الوقود.
السفن تحاصر إفريقيا
وتُظهر بيانات وخرائط لمؤسّسة "مارين فيسل ترافيك" أن ناقلات النفط العملاقة تحاصر إفريقيا من جميع الجهات تقريبًا، فيما تتجمّع -على نحوٍ غير مسبوق- أمام سواحل كاليفورنيا في الولايات المتّحدة.
انخفض الطلب على النفط ومنتجاته بنسبة تصل إلى 30٪، حيث طلبت الحكومات في جميع أنحاء العالم من المواطنين البقاء في منازلهم، لمنع انتشار الفيروس التاجي، ما أوقف الطائرات والسيّارات وغيرها من وسائل الانتقال. لكن العالم لا يزال يعجّ بإمدادات النفط.
رغم الاتّفاق التاريخي على تخفيض إنتاج النفط، من قبل أوبك+ ومنتجين آخرين بنحو 9.7 مليون برميل يوميًا، إلّا أن تخمة المعروض ستقف عائقًا أمام تحرّك الأسعار في اتّجاه الصعود. فالاتّفاق سيخفض -فقط- المعروض بنحو 10 ٪ ، ولن يبدأ تنفيذ الاتّفاق قبل أوّل مايو / أيّار.
ويقول بنك غولدمان ساكس، إن أسعار النفط ستواصل الهبوط في الأسابيع المقبلة، موضّحًا أن الاتّفاق “تاريخي لكن غير كافٍ” بين كبار المنتجين على خفض الإنتاج، ومن المستبعد أن يعوّض تهاوي الطلب بسبب فيروس كورونا.
من الصعب قياس السعة الإجمالية لتخزين النفط في العالم، لكن الدلائل على الوصول إلى الحدّ الأقصى واضحة بشكل متزايد. ارتفاع التخزين البحري هو أحد هذه المؤشّرات، لأنه أكثر تكلفة من التخزين على الشاطئ، ويمكن أن يكون معقّدًا من الناحية التقنيّة.
وتجمّعت ناقلات للنفط -تفي بنحو 20% من الاستهلاك العالمي اليومي للنفط- أمام سواحل كاليفورنيا، بعد أن انهار الطلب على ما تحمله.
ويوجد نحو 32 سفينة متناثرة في المياه، من لونغ بيتش في جنوب كاليفورنيا إلى خليج سان فرانسيسكو في غرب الولاية، والتي تعمل في الغالب كمخزن عائم للنفط الذي لا يُستخدم بسبب جائحة كورونا، بحسب "مارين فيسل ترافيك"
وتوقّفت الكثير من المصافي في كاليفورنيا عن العمل، بعد أن أمر مسؤولو الولاية السكّان بالبقاء في منازلهم.
وقالت مؤسّسة (كبلير إس أيه إس الفرنسية)، إن حاملات النفط التي تصطفّ أمام الساحل الغربي الأميركي تحمل نحو 20 مليون برميل، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
وأضافت أن 75% من تلك الناقلات تحتفظ بالنفط في الخزّانات، وكانت ثابتة لا تتحرّك من مكانها لمدّة 7 أيّام، وهو رقم قياسي أيضًا.
وقالت الشركة الفرنسية، إن السعة الاحتياطية في منطقة كوشينغ بأوكلاهوما الأميركية، أقلّ حاليًا من 20 مليون برميل، من إجمالي 130 مليون برميل.
وتوقّعت مؤسّسة (ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس)، مؤخّرًا أن تكون خزّانات النفط في أنحاء العالم كافّةً، ممتلئة بنحو 2.97 مليار برميل، بزيادة قدرها 270 مليون برميل منذ بداية العام، وهو أعلى مستوى منذ عام 2017.
وترى مؤسّسة كبلير أن خزّانات العالم النفطية بها 3.5 مليار برميل، وهناك سعات إضافية لنحو 902 مليون برميل في كلّ أرجاء العالم.
عربات السكك الحديدية
يلجأ منتجو النفط ومصافي التكرير والتجّار أيضًا إلى تكتيكات غير عادية، مثل تخزين النفط الخام والوقود في عربات السكك الحديدية، في شمال شرق الولايات المتّحدة، أو في خطوط الأنابيب غير المستخدمة.
لا يزال مركز التكرير والتخزين في شمال غرب أوروبا لديه مساحة تخزين، لكن خبراء الصناعة يقولون، إن معظم السعة المتبقّية قد جرى حجزها بالفعل.
وتُعدّ كهوف الملح في السويد والدول الإسكندنافية الأخرى ممتلئة، أو محجوزة بالكامل.
في هذا السياق، قالت كريين فان بيك -وهي وسيط شحن تابع لمؤسّسة أودين- آر في بي تانك ستوريدج سوليوشن في روتردام-: "نعمل الآن على أكثر مواقع التخزين صعوبة، حيث توجد قيود تشغيلية".
وقال إيرني بارساميان -الرئيس التنفيذي لشركة (ذا تانك تايغر)، وهي مؤسسة تخزين أميركية -: إن الولايات المتّحدة لديها بعض المساحات لتخزين المنتجات المكرّرة المتبقّية في المنطقة، من منطقة وسط الأطلنطي إلى الجنوب الشرقي، وعلى طول ساحل الخليج.
في هذا الإطار، قالت مؤسّسة كبلير، إن خزّانات النفط في الولايات المتّحدة الأميركية لديها القدرة حاليًا على تخزين نحو 130 مليون برميل إضافية من النفط الخام، لكن العوائق اللوجستية تعني أن الوفرة المتزايدة في أكبر منتج في العالم، ستستمرّ في الازدياد.
وأوضحت أن هذا لا يعني أن تلك الناقلات تستطيع تفريغ شحناتها بسهولة في تلك الخزّانات، خاصّةً في ظلّ العوائق اللوجستية، إلى جانب آفاق الأسعار المتوقّعة أن تكون بالسالب أيضًا، خلال أسابيع.
وأشار بارساميان إلى أن مواقع تخزين المنتجات الأكثر تفضيلًا -مثل موانئ المياه العميقة في ميناء نيويورك وهيوستن، القريبة من مراكز الطلب- لم تعد متاحة.
وأضاف بارساميان: "الخزّانات الكبيرة التي تسحب بداخلها سفينة وتفرّغ كلّ حمولتها، لم تعد متاحة.. كلّ ما لدينا الآن هي خزّانات صغيرة".
الخزّانات البرّية
في الولايات المتّحدة، يجري حجز الخزّانات البرّية -في الغالب- للمصافي المحلّية التي تستخدم عربات السكك الحديدية لتخزين الخام، وكذلك البنزين والديزل.
وقال وسيط مقيم في الولايات المتّحدة، طلب عدم الكشف عن هويّته: "حتّى عربات القطارات سوف تمتلئ بالخام".
في المحاور التي بها مساحة صغيرة متبقّية -مثل شيكاغو- يمكن لمشغّلي الخزّانات تحصيل عقود إيجار متميّزة وطويلة الأجل. لقد طلبوا عقود إيجار لمدّة 24-36 شهرًا، بدلاً من الأشهر الـ 12 المعتادة ، وفقًا لسماسرة منتجات نفطية مكرّرة.
مع زيادة المعروض في السوق، انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في عقدين. فقد هوَت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى المنطقة السلبية، لأوّل مرّة في التاريخ، وهو ما يعني أن على البائعين أن يدفعوا للمشترين لكي يتخلّصوا من النفط، لعدم وجود مساحات لتخزينه.
على الرغم من انخفاض سعر النفط الخام ، فإن بعض المصافي القادرة على إيجاد مساحة، لا تزال تجني المال من إنتاج الوقود.
وقال مسؤول كبير في مصفاة أوروبية، إن هناك "هوامش جيّدة، لأن هناك مرونة أكبر في سوق المنتجات بالنسبة للخام."
ويبتكر التجّار خيارات تخزين جديدة، حيث جرى نقل ناقلات نفط تحمل ما لا يقلّ عن 1.5 مليون برميل من الديزل في الأيّام الأخيرة من وجهاتها الأوروبية الأصلية إلى نيويورك، للقيام بعملية التخزين ، وفقًا للتجّار وبيانات الشحن.
خزّانات الفجيرة
لكن العديد من المصافي تقلّل من الإنتاج، وفي بعض الحالات توقفه تمامًا، لأنه لم يعد لديها أيّ مكان لوضع النفط لمعالجته، أو المنتجات التي تنتجها.
تجدر الإشارة إلى امتلاء خزّانات النفط في إمارة الفجيرة الإماراتية، التي تعدّ مركزًا رئيسًا للنفط، وتزويد السفن بالوقود في الشرق الأوسط -تمامًا- بالخام والمنتجات النفطية.
وتقع الفجيرة على الساحل الشرقي لدولة الإمارات العربية المتّحدة عند مدخل مضيق هرمز، وهي واحدة من ميناءين رئيسيين في المنطقة، إلى جانب صحار العُمانية، وهي نقطة مزدحمة للتزوّد بالوقود للناقلات التي تأخذ الخام في رحلات طويلة من الخليج.
تحرص إمارة الفجيرة على تعزيز مكانتها بصفتها مركزًا تجاريًا عالميًا، من خلال زيادة سعة تخزين الميناء من 10 مليون متر مكعّب إلى 14 مليون متر مكعّب، بحلول عام 2020.
كانت الإمارة تركّز بشكل أساس على وقود الناقلات ومنتجات النفط المكرّر، ولكنّها توسّعت أيضًا في تخزين الخام في السنوات الأخيرة.