تقارير الطاقة المتجددةرئيسيةسلايدر الرئيسيةطاقة متجددة

الصين.. رقم صعب في معادلة الاقتصاد العالمي

حقيقة أظهرها تفشّي فيروس كورونا

اقرأ في هذا المقال

  • واشنطن والقوى العالمية لا تستطيع الاستغناء حاليا عن المارد الصيني
  • بيجين تنتج 85 % من الألواح الشمسية في العالم وهي أكبر مصنع للسلع الوسيطة
  • كورونا يعطل صادرات الصين الحيوية في صناعة طاقة الرياح وبطاريات السيارات الكهربية
  • توفر 90% من مكونات السكك الحديد و80% من الآلات الزراعية و50 % من سفن الشحن
  • الصين رائدة في الإمدادات الطبّية وتعطّلها قد يحرم أميركا وحدها من 150 دواءً

ماذا نفعل مع الصين؟

سؤال يتجدّد باستمرار في أذهان القادة في الولايات المتّحدة وأوروبّا وآسيا، مع كلّ أزمة تبرز فيه الصين لاعبًا رئيسًا ومؤثّرًا.. والآن، أعاد تفشّي فيروس كورونا المستجدّ السؤال في كثير من الأوساط السياسية التي تخشى النفوذ المتنامي للمارد الصيني على الساحة الدولية، لاسيما ما يتعلّق بالاقتصاد العالمي، وهو ما يضع الكثير من الساسة أمام معادلة في غاية الصعوبة.

منذ سنوات وحتى الآن ، يواجه رؤساء وقادة في أوروبا وآسيا معضلات التكيّف مع دور الصين بصفتها قوّة اقتصادية كبرى -وخاصّةً في مجالات الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا والمستلزمات الطبّية- واحتواء، أو إحباط، مناوراتها من أجل الهيمنة.

ومع جائحة مرض كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا، زادت حدّة ذلك التوتّر، وأصبح إيجاد طريقة للتعامل مع الصين الآن لغزًا ملحًّا ومسألة حياة وموت، حسبما ذكرت صحيفة (سليت) الأميركية.

من ناحية، تتحمّل الصين بعض المسؤولية عن الأزمة الحاليّة، حيث بدأ تفشّي كورونا فيها. ربّما بقيت الأزمة محلّية إذا لم تقم حكومة الرئيس شي جين بينغ بتغطيتها لعدّة أيّام.. ولكن، منذ ظهور الفيروس، قامت بيجين بتزوير المزيد من البيانات، وتحويل الأزمة إلى أداة دعائية، وإلصاق التهمة بجندي أميركي بوصفه مصدرًا للفيروس.. كلّ هذه أسباب تستوجب الإدانة.

بيد أن الصين -من ناحية أخرى-، تعدّ المصدر الرائد في العالم للإمدادات الطبّية اللازمة للسيطرة على الفيروس، بما في ذلك الأقنعة الطبّية. وإذا جرى تطوير لقاح في أيّ وقت، فإن الصين ستكون لاعبًا حيويًا في إنتاجه وتوزيعه، وربّما اختراعه. لذا سيكون من التهوّر إدانة كذبة الصين بصوت زاعق.

في العقدين الماضيين، أصبح الكثير من دول العالم -بما في ذلك الولايات المتّحدة- يعتمد بشكل كبير على الصين في مجموعة واسعة من المنتجات والتقنيّات.

الأثر الإيجابي لكورونا

لكن أحد الآثار الجانبية الإيجابية للوباء، هو أن عددًا متزايدًا من رجال الأعمال والقادة السياسيين يركّزون على عواقب هذا الاعتماد. ففي دراسة صناعية حديثة، قالت أكثر من نصف الشركات الأميركية، إنها تخطّط -على الأقلّ- لإجراء تغييرات على سلاسل التوريد الخاصّة بها، نتيجة للفيروس التاجي. لكن الاعتماد على الصين عميق ومعقّد للغاية، بحيث لا يمكن التخلّي عنه بسرعة أو بثمن بخس.

ديفيد ليفينغستون -المحلّل في مجموعة أوراسيا- لفت في رسالة إلكترونية، إلى أنه بالرغم من أن الصين ليست مصدرًا غنيًا بالموادّ الخام أو المنتجات النهائية، لكنّها "عملاق وسط سلاسل التوريد"، مشيرًا إلى أنّها أكبر مصدر للسلع الوسيطة في العالم، حيث توفّر ثلث "السلع الوسيطة" التي تساعد في تحويل الموادّ الخام إلى منتجات نهائية.

وفقًا لتقرير حديث صادر عن معهد ماكينزي العالمي، توفّر الصين المكوّنات الأساسية لما يتراوح بين 70 و 85 % من الألواح الشمسية في العالم، وما بين 75 و 90 % من أنظمة السكك الحديدية عالية السرعة، ومن 60 إلى 80 % من الآلات الزراعية، وما بين 40 و 50 % من سفن الشحن.

والحقيقة أن تفشّي كورونا يهدّد بإبطاء ثورة الطاقة الشمسية العالمية وطاقة الرياح وبطاريات التخزين الخاصّة بها، لأنه يقطع إمدادات المعدّات الرئيسة في الصين وخارجها.

الطاقة المتجدّدة

وكما أثّر تراجع الطلب الصيني على النفط في السوق العالمية، فإن التباطؤ الصيني في تصنيع مكوّنات الطاقة المتجدّدة له تأثير كبير في سلسلة التوريد العالمية لصناعات الطاقة المتجدّدة الرئيسة.

مع تصاعد حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا على مستوى العالم، دقّت الشركات المصنّعة -بما في ذلك شركة(ترينا سولر) الصينية الشهيرة- ناقوس الخطر بشأن تأخّر الإنتاج في قطاع الطاقة النظيفة، في حين قالت شركة مانيلّا للكهرباء في الفلبّين، إن المشروعات الحاليّة سوف تتوقّف، وهو ما دفع وكالة بلومبرغ الاقتصادية لتخفيض توقّعاتها لمنشآت هذا القطاع خلال العام الحالي.

يُبرز الوضع الحالي أهمّية الصين المتزايدة في أسواق الطاقة العالمية، على مدار العقدين الماضيين، منذ اندلاع “سارس”، وتمتدّ هذه الأهمّية من قطاع النفط إلى جميع قطاعات الطاقة العالمية التي تعاني عندما تتأثّر الصناعات التحويلية، والطلب على النفط في الصين.

في قطاع الطاقة الشمسية، أدّى إغلاق المصانع وتعطّل الإنتاج في جميع أنحاء الصين إلى تأخير صادرات الألواح الشمسية والمكوّنات الأخرى، ما عطّل سلسلة الإمدادات في صناعات الطاقة الشمسية، وأثّر في مشاريع الطاقة الشمسية في آسيا وأستراليا.

في هذا السياق، قالت مؤسّسة (إس آند بي غلوبال) في وقت سابق، إن تعطّل سلسلة إمدادات الطاقة الشمسية قد يكلّف الصناعة نحو 2.24 مليارًا من مشاريع الطاقة الشمسية في الهند وحدها، التي تعتمد على الصين في 80 % من الوحدات الشمسية التي تستخدمها.

وأشارت الشركة إلى أن نحو ثلاث غيغاواط من مشاريع الطاقة الشمسية في جميع أنحاء الهند قد تتعرّض للتأخير وتجاوز التكاليف، وبالتالي الانزلاق إلى مستنقع غرامات التأخير.

وتقود الصين العالم في تركيب مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة، وفي إنتاج الألواح الشمسية المستخدمة في كلّ مكان تقريبًا، فهي تُعدّ من بين أكبر 10 منتجين للخلايا الشمسية، تسعة منهم من المصنّعين الصينيّين، وواحد من كوريا الجنوبية.

ووفقًا لجمعية صناعة الألواح الشمسية الصينية، قد تتضرّر المصانع الخارجية لأنّها لن تكون قادرة على استلام المكوّنات والموادّ الخام من الصين، بسبب قيود حظر الطيران و الشحن الحاليّة.

وترى مؤسّسة “وود ماكنزي” لأبحاث الطاقة، أنه إذا استمرّت انقطاعات الإنتاج الرئيسة في الصين لفترة أطول، فستبدأ مصانع وحدات الطاقة الشمسية في جنوب شرق آسيا والولايات المتّحدة في معاناة نقص الإمدادات، ما من شأنه أن يقلّل إنتاجها.

طاقة الرياح

ولم تسلم -أيضًا- صناعة طاقة الرياح من تداعيات انتشار فيروس "كورونا"، حيث ستؤدّي اضطرابات الإنتاج المرتبطة بتفشّي المرض إلى خفض بناء منشآت طاقة الرياح في الصين، بنسبة تتراوح بين 10 و 50 بالمئة هذا العام، وهذا يتوقّف على مدى احتواء انتشار المرض، وعودة الإنتاج إلى طبيعته، وفقًا لتقديرات (وود ماكنزي).

خارج الصين، الأسواق التي ستكون أكثر عرضةً للتأثّر هي الولايات المتّحدة، حيث تستورد صناعة الرياح الأميركية مكوّنات من الصين، وهي في عجلة من أمرها لتركيب مشاريع طاقة الرياح بحلول نهاية عام 2020، للحفاظ على الإعانات الفيدرالية.

في هذا الصدد، حُدِّدت منشآت بطاقة 6 غيغاواط، تستهدف بدء التشغيل التجاري لها عام 2020، إلّا أنّها معرّضة للخطر الآن بعد تفشّي كورونا. هذه المشاريع تتطلّب إعفاءات من إيرادات الخدمات الداخلية، للحفاظ على الوصول إلى قيمة 100 % من الحوافز الضريبية.

يؤدّي تفشّي فيروس “كورونا” إلى كبح جماح تصنيع خلايا البطّاريات في الصين، حيث يؤثّر الاضطراب في الإنتاج وفي سلسلة التوريد. في هذا الجانب تتوقّع (وود ماكنزي) أن يتقلّص إنتاج خلايا البطّاريات في الصين بنسبة 10 %، أي بنحو 26 غيغاواط/ ساعة، هذا العام، ومن الممكن حدوث مزيد من التأخير، وتعطّل الإنتاج، إذا استمرّ تباطؤ المصانع وقيود السفر مطبَّقين لفترة أطول.

ووفقًا للمؤسّسة البحثية، فإن الـ26 غيغاواط/ ساعة المتوقّعة من الإنتاج المفقود، تمثّل 7 %من الطاقة الإنتاجية العالمية.

انخفاض إنتاج البطاريات الصينية، لن يؤثّر فقط على أسواق السيّارات الكهربائية العالمية وأسواق تخزين الطاقة، ولكنّه قد يتحدّى أيضًا التوجّه العامّ بأن السيّارات الكهربائية ومشاريع تخزين الشبكة ستستفيد من انخفاض أسعار البطّارية بشكل مستمرّ.

الإمدادات الطبّية

وطبّيًا، لفتت جائحة كوفيد-19 الانتباه إلى هذه القبضة الحديدية للصين، وسط سلاسل التوريد للمنتجات الصحّية والطبّية، وهي قبضة أكثر إحكامًا ممّا يتصوّر الكثيرون.

في هذا السياق، يقول المحلّلان برادلي ثاير ووليانتشاو هان بمجلّة (ذا ناشونال إنترست) الأميركية، إن الصين تنتج "المكوّنات الرئيسة للأدوية في كلّ مجال تقريبًا"، بما في ذلك أدوية مرض الزهايمر، والصرع، ومضادّات الاكتئاب، وفيروس نقص المناعة البشرية المسبّب لمرض الإيدز، وعلاجات السرطان، بالإضافة إلى العقاقير المخفّضة للكوليسترول، وأقراص تحديد النسل، ومضادّات الحموضة، والفيتامينات.

وإذا توقّفت الصين- كما يقول ثاير ووليانتشاو- عن تصدير هذه المكوّنات، "فسوف تصبح مستشفيات أميركا والعالم في حالة سقوط حرّ".

ومن ثمّ، فإن الخوف من الانقطاع أو الانفصال التامّ يثير القلق. فالصين بحاجة إلى الأسواق الأجنبية، مثلما تحتاج الأسواق الخارجية إلى الصين. لكن الرئيس الصيني شي، يمكن أن يصف هيمنته بأنها قوّة أو أداة ترويع في بعض صراعات القوى مستقبلًا. و ربّما تتعثّر سلاسل التوريد دون تدخّل أو رغبة من أحد، وهذا ما يحدث بالفعل. فقد أجبر الوباء السلطات على إغلاق بعض المصانع الصينية التي تصنع المكوّنات الخاصّة بالصّيدلة.

ونتيجةً لذلك، تخشى إدارة الغذاء والدواء، من أن الولايات المتّحدة قد تواجه قريبًا نقصًا في 150 من الأدوية الموصوفة، وبعضها ليس له بدائل عامّة.

في السنوات القليلة الماضية -حتّى قبل كوفيد-19- أجبر ارتفاع تكاليف العمالة الصينية، ثمّ الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على الصين، بعض الشركات على البحث عن مصادر بديلة للإمدادات في فيتنام والهند وسنغافورة وماليزيا والمكسيك وأماكن أخرى. لكن هذا التحوّل كان متواضعًا.

في بعض الأسواق -بما في ذلك أسواق المستلزمات الصحّية والطبّية- كانت جميع الإمدادات والمكوّنات غير موجودة. سيغيّر الوباء الأمور أكثر، ولكن ليس كثيرًا بالدرجة المأمولة. وبعبارة أخرى، نحن عالقون في هذه العلاقة مع الصين لبعض الوقت، في المستقبل.

وفيما يتعلّق بالسؤال الذي جاء في صدر المقال، وهو: ماذا سنفعل مع الصين؟ من الأسهل سرد بعض الأمور التي لا يجب فعلها. فكيل الاتّهامات ليس حلًّا. وللأسف، فعلت إدارة ترمب ذلك بالضبط. ففي قمّة دول مجموعة ال 7 في أواخر مارس / آذار، فشل المشاركون في الاتّفاق على بيان مشترك حول الوباء، لأن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو -بناء على طلب ترمب- أصرّ على وصف الوباء ب "فيروس ووهان"، في إشارة إلى المدينة الصينية التي ظهر فيها. وكان هذا تصرّفًا غبيًّا على جميع المستويات.

نهج ترمب تجاه الصين خاطئ، لأنه يسيء فهم طبيعة نظام شي، حيث ينبغي تنويع سلاسل التوريد، واللجوء إلى أسلوب دبلوماسي أكثر ذكاءً. ففي هذه الأثناء، نحن جميعًا محاصرون في خضمّ جائحة، على حدّ وصف صحيفة سليت.

تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1966، خلال مرحلة الحرب الباردة، ظلّت الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفييتي يعملان معًا للقضاء على الجدري.

وبالمثل، بالرغم من التوترّات بين الولايات المتّحدة والصين اليوم، فإن لديهما -بحسب الصحيفة الأميركية- مصالح مشتركة أيضًا، أهمّها القضاء على كوفيد- 19.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق