نيجيريا في هوّة نفطية... خام تحت 13 دولارًا ولا يجد مشترين
الافتقار للمخازن يفاقم المأزق
بينما تشير بيانات وكالات تصنيف دولية على غرار "فيتش" إلى أن نيجيريا تحتاج سعرًا ما بين 133 إلى 144 دولارًا للبرميل النفطي، لمعادلة موازنتها، إلّا أن سعر أحد الخامات الرئيسة في هذا البلد الإفريقي، وهو "بوني الخفيف"، هوى في بضعة تداولات خلال الأيّام الماضية إلى مستويات متدنّية تاريخيّة تحت 13 دولارًا للبرميل، ومع ذلك لم يجد حماسة كبرى من المشترين، علمًا أن متوسّط كلفة إنتاج البرميل في نيجيريا هو 22 دولارًا للبرميل.
لفهم المعضلة، ولماذا تقبل نيجيريا بيع نفطها بأقلّ من سعر الكلفة الإنتاجية، ربّما يحتاج الأمر للنظر إلى القصّة بشكل أوسع قليلًا. فمع دخول المشترين الرئيسيّين للخام النيجيري -خاصّةً في أوروبّا- إلى مراحل متقدّمة من العزل، نتيجة تفشّي وباء كورونا، فإن الخام يشهد مزيدًا من الضغوط والهبوط الذي بدأ مع تراجع الطلب العالمي، خاصّةً أن بعد المسافة عن آسيا لا يجعله مفضّلًا في أسواق الأخيرة، نظرًا لكلفة الشحن العالية، إضافةً إلى استمرار عدم اليقين العالمي حول الطلب على المشتقّات لاحقًا، ما أدّى إلى تباطؤ عمل المصافي الآسيوية بوجه عامّ، انتظارًا لانقشاع الأزمة.
ولدى نيجيريا -المنتج السابع من حيث الكمّية في أوبك، والثالث عشر عالميًا بأقلّ قليلًا من مليوني برميل يوميًا- مشكلة "جانبية" كبرى، إذ تفتقر لمساحات التخزين النفطية الكبيرة، ما يعني أنه لا مكان لأيّ إنتاج غير مرغوب به على الفور، ومن ثمّ، فإنها مجبرة إمّا على قبول البيع بأسعار زهيدة، أو البحث عن مخازن أخرى عالية الكلفة، على غرار المخازن العائمة، بانتظار تحسّن "غير مؤكّد" للأوضاع، وهو أمر "غير عملي"... أو وقف الإنتاج، وهو أمر لا يمكن تنفيذه في دولة تعتمد في نصف إيراداتها على مبيعات الخام، كما أنه يمثّل ما يصل إلى 90% من مصادر العملات الصعبة.
ووسط هذه المعضلة، فإن الحلّ الفنّي الوحيد المتاح ربّما يكون الشروع في تأسيس مخازن نفطية في أسرع وقت، بحسب ما يرى سبنسر ولش -مدير أسواق النفط في "أي إتش إس ماركيت"- لدى حديثه لـ"بلومبرغ" عن الأزمة.
ووفقا لتجّار، فإن نيجيريا عرضت خام "بوني الخفيف" في الأسواق يوم الأربعاء الماضي، بخصم سعري عن خام برنت يبلغ 5.7 دولارًا. ومع تداول برنت يومها عند 18.10 دولارًا للبرميل، فإن صفقات "بوني" تمّت عند 12.40 دولارًا للبرميل. وأشارت مصادر نفطية لاحقًا إلى أن الخصم زاد عن مستوى 15 دولارًا، مع ارتفاع خام برنت يوم الجمعة.
وأشارت الشركة الوطنية النيجيرية للبترول في بيان، إلى أن "السوق تستجيب ببساطة لقوى العرض والطلب التي أحدثها وباء (كوفيد-19)، ونحن نعمل بجدّ لضمان وجود سوق ثابتة لخامنا على المدى القصير والطويل."
والشهر الماضي، حينما كان سعر العقود الآجلة لخام "بوني الخفيف" حوالي 22 دولارًا للبرميل، قال ميلي كياري -رئيس الشركة-، إن نيجيريا ستكون "خارج العمل" عند هذه المستويات، وفقًا لتقرير وسائل الإعلام المحلّية. وذلك لكون هذه الأسعار لا تمثّل أيّ ربحيّة... لكن يبدو أن كياري لم يكن يعلم أن الأسوأ لم يأت بعد.
وفي تقرير لوكالة موديز مطلع الشهر الجاري، فإن الدول الأكثر عرضة للخطر جراء الأزمة المزدوجة لكورونا، وتراجع أسعار النفط، بينها أنغولا ونيجيريا، بسبب قدرتها المحدودة على التكيّف مع الصدمات الخارجية. ويمكن أن تشهد هذه الدول انخفاضًا في الإيرادات المالية يتراوح بين 4 و8% من الناتج المحلّي الإجمالي، إذا استمرّ تراجع أسعار النفط.
فيما أظهرت دراسة للاتّحاد الأفريقي أن الاقتصادات المنتجة للنفط في القارّة ستنكمش 3% في المتوسّط، وأن ما يصل إلى 15% من الاستثمار الأجنبي المباشر قد يختفي. وسيكون منتجو النفط في القارّة الذين شهدوا تراجع قيمة صادراتهم من الخام خلال الأسابيع الماضية، من بين الأكثر تضرّرًا. وقد تخسر نيجيريا وأنغولا -وهما أكبر بلدين منتجين للنفط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى- 65 مليار دولار من الإيرادات وحدهما.
- الكونتانغو العميق
الأزمة النيجيرية المتعمّقة ربّما يكون لها عوامل محلّية، وهي نقص المخازن، لكن هناك عامل آخر عالمي، وهو أن الأسواق حاليًا تمرّ بمرحلة الكونتانغو العميق، أي أن الأسعار المستقبلية أكبر بكثير من الأسعار الحاليّة، نظرًا للخصومات الهائلة التي تعرض للأسعار الفورية.
وفي سوق العقود الآجلة، فإن أقرب عقد برنت لشهر يونيو / حزيران، أرخص بنحو 3 دولارات من عقد يوليو / تمّوز.. ولكن مع بقاء إنتاج أبريل متاحًا، فإن المنتجين يحتاجون إلى عرض خصومات أكبر للعثور على مشترين.
ويقول تجّار نفط في غرب إفريقيا، إن حوالي 10 ملايين برميل للبيع في أبريل ما زالت غير مباعة، قبل أقلّ من أسبوعين متبقّيين على انتهاء الشهر. وبالنسبة لشهر مايو / أيّار، يصل حجم ذلك إلى 60 مليون برميل. ويمثّل ذلك وتيرة بطيئة جدًّا للمبيعات، خاصّةً أن برامج تحميل المنطقة في يونيو بدأت بالفعل في الظهور. ويؤكّد التجّار أن الغالبية العظمى من الإمدادات غير المباعة نيجيرية وليست أنغولية، وأن السبب الرئيس وراء التخمة هو توقّف المشترين الأوروبيين التقليديين عن الشراء، بسبب انهيار الطلب هناك.
وبالنسبة لبعضهم، فإن الأسعار لا تزال "غير منخفضة بما يكفي" لخام عالي الطلب في ظروف السوق العادية. فبسبب ضعف الطلب، وعدم وجود أسعار شديدة الإغراء، قرّرت شركة "برتامينا" الإندونيسية للتكرير إلغاء مناقصة لشراء خام أربعة أشهر من نفط غرب أفريقيا، وفقًا لمصادر مطّلعة.