مقال- محمد الشطي يكتب للطاقة: توقّعات "أوبك" المتفائلة و"الهدف المتحرّك"
د. محمد الشطي
د. محمد الشطي
ليس من السهل توقّع الطلب العالمي على النفط في ظلّ ظروف استثنائية بسبب فيروس كورونا (كوفيد-19) وتراجع الطلب على النفط، خصوصًا حركة الملاحة الجوّية، والتنقّل الفردي بالسيّارات، وتجدّد المخاوف من أيّة تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي.
لقد شجّعت الظروف الاستثنائية البيوت الاستشارية على الاستمرار بتعديل توقّعات تراجع الطلب، وتأرجحت التوقّعات لشهر أبريل / نيسان 2020 مِن 15 إلى 30 مليون برميل يوميًا، ولكن تقديرات سكرتارية "أوبك" جاءت على أساس التراجع بمقدار 20 مليون برميل يوميًا خلال شهر أبريل.
ويأتي هذا الانخفاض لأن مظاهر الحياة كلّها تأثّرت بعد عزل ما يزيد عن ثلاثة مليارات نسمة من سكّان الأرض، وخسارة 70% من استهلاك وقود الطائرات، بسبب تعطّل حركة الطيران، وتوقّف أكثر من 30% من حركة التنقّل الفردي، ومعها المصافي واستهلاك البنزين. كما تأثّرت حركة التجارة العالمية، وأصبحت شركات النفط تعاني من عدم القدرة على تسويق نفوطها، الأمر الذي أدّى -مع ارتفاع الأسعار المستقبلية مقارنةً بالحاليّة- إلى تخزين النفط في الناقلات الضخمة، وهو ما يُعرف بـ"المخزون العائم". ونتيجة هذا كلّه، ارتفعت معدّلات البطالة في كلّ مكان، ممّا يمثّل تهديدًا أكيدًا للأمن الاجتماعي.
- توقّعات الطلب على النفط:
مشكلة توقّعات الطلب أن التأكّد منها يستغرق وقتًا أطول، مقارنةً بتوقّعات الإنتاج. فالتأكّد من توقّعات النفط يستغرق حوالي ثلاثة شهور، بينما التأكّد من الإنتاج يستغرق شهرًا واحدًا فقط.
وخلال الأعوام الماضية، وجدنا كثيرًا من توقّعات الصناعة تعود بعد سنة لتعديلها، مقارنةً مع الأرقام الفعلية. كما أثبتت توقّعات "أوبك" أنها الأكثر واقعية ما بين التوقّعات من مثيلاتها، سواء وكالة الطاقة الدولية، أو إدارة معلومات الطاقة الأميركية في الأوضاع والظروف الاعتيادية.
ويتّضح ممّا نُشر -حتّى الآن- عن الاتّجاه العامّ لتوقّعات هبوط الطلب على النفط، أن عام 2020 يشهد تراجعًا غير مسبوق، وكما هو واضح من توقّعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية، فإن متوسّط هذا التراجع يتراوح ما بين 7 إلى 9 مليون برميل يوميًا. وقد يكون التراجع في الطلب العالمي على النفط أكبر من ذلك، حيث إن الأمر مرتبط بمدى القدرة على التعامل مع فيروس كورونا، وقدرة الصناعة والمستهلك على العودة إلى النشاط والحياة العادية بسرعة، في الربعين الثالث والرابع من العام.
إلّا أن الخلافات حول آثار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، وعدم الاتّفاق على تقديرات الطلب على النفط، قد تكون وراء تراجع أسعار النفط في ظلّ اتّفاق تاريخي لدول "أوبك بلس"، وخفض غير مسبوق في تاريخ النفط.
والواقع أنّنا أمام "هدف متحرّك" يصعب معه توقّع مقدار تراجع الطلب، من أجل تحديد حجم الخفض المطلوب في العرض.
ولكن، أعتقد أن تقديرات "أوبك" لأرقام الإمدادات من خارج "أوبك" قد يكون فيها شيء من التفاؤل، خصوصًا مع ضعف الأسعار، وإعلان الشركات النفطية الترشيد في إنفاقها، وإفلاس بعضها، وفي ظلّ توقّعات بتراجع كبير في الإنتاج الحالي في مناطق الإنتاج ذات الكلفة الباهظة نسبيًا، مقارنةً مع مستويات الأسعار. ولذلك، هذا الجانب كان الأَولى أن يحظى باهتمام أكبر، ويعكس التوقّعات الحاليّة، التي من بينها "سيتي بنك" الذي توقّع أن يكون الانخفاض في إنتاج دول خارج أوبك كما يلي:
- النفط الرملي في كندا: 1.5 مليون برميل يوميًا
- النفط الصخري في الولايات المتّحدة: 1.5 - 2 مليون برميل يوميًا
- النفط في المياه العميقة حول العالم: 300 ألف برميل يوميًا
- النفط الثقيل حول العالم: 500 ألف برميل يوميًا
وهذه التقديرات تساعد في تقديم صوره أدقّ وأفضل للسوق. نعم، هناك انخفاض كبير في الطلب العالمي على النفط، لكن هناك خفض كبير في الإنتاج من خارج أوبك إلى جانب اتّفاق أوبك بلس أيضًا، وهو ما يساعد في تقليص المعروض في الأسواق ويدعم الأسعار. وقد تحدّثتُ سابقًا عن أن من المؤثّرات الرئيسة في اتّجاه السوق هي توقّعات الصناعة، لأنها توضّح خارطة السوق من ناحية حجم الاختلال، وهو ما يحدّد مسار الأسعار من جملة مؤثّرات أخرى، وهي أمور يتابعها وينتظرها اللاعبون في السوق النفطية بشغف.
*خبير في أسواق النفط – المقال خاصّ لـ”الطاقة”