البنك الدولي يعمّق نظرته المتشائمة لتقديرات خسائر المنطقة العربية
إثر الضربة المزدوجة من كورونا والنفط
تتشابك أزمتا انهيار أسعار النفط وجائحة فيروس كورونا المستجدّ، في مؤثراتهما الاقتصادية على العالم أجمع، وخاصّةً منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتوقّع البنك الدولي أن يتراجع نموّ المنطقة بنحو 3.7% عن معدّله السابق في 2019، بخسارة ما يعادل 116 مليار دولار. وذلك في تعميق لتقديرات الخسائر التي كانت مقدّرة في 19 مارس / آذار الماضي، بأن يتضرر الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنحو 2.1% فقط.
ويرى البنك الدولي في تقريره الصادر اليوم، بعنوان "كيف يمكن للشفافية أن تقيّد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، أن التقديرات الخاصّة بكلفة الأزمة الحاليّة غير مستقرّة، لأنه يتعذّر التنبّؤ بكيفية ردّ فعل الاقتصاد العالمي والسياسات الوطنية والمجتمعات في ظلّ تفشّي الجائحة، ومن ثمّ، يمكن أن تختلف تقديرات التكلفة خلال تلك الأوقات والإجراءات.
غير أن التقرير يوضّح كيف أدّى انتشار فيروس كورونا المستجدّ، فضلًا عن انهيار أسعار النفط، إلى حدوث تغيّرات في توقّعات القطاع الخاصّ والبنك الدولي بشأن النموّ لعام 2020.
ووفقًا للتقرير، فإن فيروس كوفيد-19 يؤثّر في بلدان المنطقة من نواحٍ عدّة، أهمّها الصحّة العامّة، وتراجع الطلب العالمي على السلع والخدمات المنتجة في المنطقة، وانخفاض العرض والطلب المحلّيين، وانخفاض أسعار النفط.
ويسهم في هذه النظرة السلبية، انخفاض الطلب على النفط، مع الانخفاض الحادّ في الاستهلاك الناجم عن التدابير الاحترازية لوقف انتشار الفيروس، بما في ذلك عمليات الإغلاق التي أدّت إلى توقّف الاقتصاد في جميع أنحاء العالم.
وتُقدّر ريستارد إنرجي الانخفاض المقدَّر بنحو 10% في استهلاك النفط من عام 2019، أو حوالي 10 مليون برميل في اليوم، نتيجة انخفاض السفر برًّا وجوًّا.
وعند تقييم آثار أسعار النفط على الاقتصاد العالمي، يميّز الاقتصاديون عادةً بين صدمات النفط التي يحرّكها العرض، وتلك الخاصّة بالطلب، حيث ترتبط الثانية بتطوّر الطلب العالمي، ومن ثمّ لا يُتوقّع أن يكون لها تأثير مستقلّ على الاقتصاد العالمي.
لكن الصدمات النفطية المدفوعة بالعرض، من المتوقّع عادةً أن تعطي دفعة مستقلّة للاقتصاد العالمي. وهناك العديد من الأسباب التي قد تدفع الدول المنتجة "لعدم فعل ذلك" إلى حدّ كبير، لأن آثار الانتشار المالي لانهيار أسعار النفط قد تتسبّب في تعثّر أسواق الأسهم والسندات والسلع غير النفطية، وفقًا لما ذكره تقرير البنك الدولي.
وأكّد البنك الدولي أن توقّعاته اختلفت حول مدى تضرّر الدول المصدّرة للنفط في المنطقة العربية من "الأزمتين" المتزامنتين، منذ منتصف مارس وحتّى الأوّل من أبريل، بسبب استعداد هذه الدول للأزمات.
وتعدّ أسعار النفط المنخفضة للبلدان المستوردة جيّدة، بينما تعدّ سيّئة لمصدّري النفط، وهي إحدى الطرق البسيطة لفهم حجم تأثير الدخل الحقيقي لتغيير سعر النفط في مضاعفة الفرق بين الناتج والاستهلاك (صافي تصدير النفط) بصفته نسبة من الناتج المحلّي الإجمالي، مضروبًا في النسبة المئوية للتغيّر في سعر النفط.
واستنادًا إلى هذا الافتراض، إذا بقيت أسعار النفط دون مستوى 2019، فإن دولة كالكويت (يمثّل صافي صادراتها النفطية 43% من الناتج المحلّي الإجمالي) ستشهد انخفاضًا في الدخل الحقيقي بنحو20% من الناتج المحلّي الإجمالي، في حين سيرتفع الدخل الحقيقي لدولة مستوردة مثل المغرب، بنحو 3% من الناتج المحلّي الإجمالي.
ومن المحتمل أن يضرّ انخفاض أسعار النفط بالمستوردين والمصدّرين.. المصدّرين مباشرة، والمستوردين بشكل غير مباشر، من خلال انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات والسياحة والمنح المقدّمة من المصدّرين.
ومن جانب آخر، تستنفد بلدان أخرى مصدّرة للنفط، مثل الجزائر وإيران، احتياطياتها. وسيتعيّن عليها الاعتماد على أسعار صرف مرنة لإدارة الوضع الحالي وإجراء إصلاحات تشتدّ الحاجة إليها في تطوير القطاع الخاصّ والتحوّل الاقتصادي الأوسع.
أمّا الدول المستوردة للنفط، مثل لبنان والأردن ومصر، فسوف يؤدّي الركود إلى تفاقم مستويات الدَّين العامّ المرتفعة بالفعل، بحسب رؤية خبراء البنك الدولي.