مقال- محمد الشطي يكتب لـ"الطاقة": "لا اتّفاق" يعني انهيار الأسعار من جديد
د. محمد الشطي*
الأجواء متفائلة مع الحذر، حكومات تعاني من عجز في موازنتها، وأخرى تبحث عن الاقتراض من السوق لسدّ العجز.. شركات نفطية وخدمية أعلنت عن إفلاسها، شركات قلّصت من إنفاقها، مشاريع تعطّلت، صناعات توقّفت، اقتصاد يتّجه للركود.. الحياة بكلّ صورها تأثّرت، وارتفعت البطالة في كلّ مكان، ممّا يمثّل تهديدًا أكيدًا للأمن الاجتماعي.
عزل ما يزيد عن ثلاثة مليارات نسمة من سكّان الأرض، 70% من استهلاك وقود الطائرات وحركة الطيران قد تعطلت، أكثر من 30% من حركة التنقّل الفردي تأثّرت، ومعها المصافي واستهلاك البنزين. حكومات تستخدم حزمًا مالية لتحريك اقتصادها، حركة التجارة العالمية تأثّرت، شركات تعاني من عدم القدرة على تسويق نفوطها، وتضطرّ لإعطاء حسومات كبيرة لتصريف إنتاجها، وينتهي أمرها إلى المخزون، أو تبقى في الناقلات مخزونًا عائمًا.
أسعار هبطت عن العشرين دولارًا للبرميل، وتوقّعات بأن تهبط إلى العشرة دولارات للبرميل، أي أقلّ من كلفة التشغيل. أجواء تهدد بإغلاق حقول وإنتاج قائم في كثير من مناطق العالم، ويؤخّر الاستثمار في رفع الإنتاج الإيفاء باحتياجات تنامي الطلب على النفط.
وسط هذه الأجواء المتشائمة، تأتي ثلاثة اجتماعات متعاقبة لتعطي الأمل في توفير أجواء أكثر إيجابية، تبدأ يوم الخميس باجتماعات أوبك وأوبك+ وبعض المنتجين من خارج "أوبك+"، يتبعه اجتماع آخر لوزراء طاقة مجموعة العشرين، الجمعة، ثمّ اجتماع السبت بين السعودية والولايات المتّحدة، كما نقلت بعض الأنباء.
المبادرة أميركية أطلقها الرئيس دونالد ترمب، سواء في محادثات مباشرة مع وليّ العهد السعودي، أو الرئيس الروسي، وتغريدات أميركية، ثمّ دعوة سعودية للاجتماع.
استجابت السوق النفطية للإشارة بتعافي أسعار خام برنت إلى مستويات تفوق الثلاثين دولارًا للبرميل، وأعطى الأمل من جديد للأسواق بأن التعافي ممكن رغم آثار فيروس كورونا على الحياة عمومًا، والتغلّب على العوامل التي أسهمت بتراجع الطلب العالمي خلال مارس ب10 ملايين برميل يوميًا، وربّما 30 مليونًا في أبريل.
في أوساط صناعة النفط، بعضهم يرى أن التحرّك الدولي ربّما تأخّر، وستظهر آثاره في الربع الثالث من هذا العام على أحسن تقدير، وأن هذا لا يعني العودة إلى أجواء ما قبل فيروس كورونا.
وتتباين التوقّعات ما بين من يرى أن الأسعار ستبقى ضمن 20 دولارًا للبرميل، وأخرى ترى أن التعافي سيكون باتّجاه الثلاثين، وربّما الأربعين دولارًا للبرميل، متى ما اقتنع السوق بمصداقية الاتّفاق بين الكبار، خصوصًا الولايات المتّحدة والسعودية وروسيا، ووضوح آليّة الخفض ومرجعيّتها وتطبيقها، وارتفاع عدد المنتجين المشاركين في الخفض.
الاتّفاق ليس سهلًا، لكنّه ليس مستحيلاً. والأجواء تساعد على سيناريو تحقيق اتّفاق يسهم في إعاده التوازن والاستقرار للأسواق من جديد، رغم أنه لن يكون تعافيًا كاملًا، إلّا إذا تمّت معالجة الأزمة والسيطرة وإيجاد لقاح لفيروس كورونا.
نجاح اللقاءات الثلاثة متوقَّع، لأن الأمر ملحّ، ولأن التحرّك أصبح دوليًا لإنقاذ صناعة النفط والغاز، والتي هي عصب الاقتصاد العالمي.
لذلك، أعتقد أن السيناريو الوحيد أمام الاجتماعات القادمة هو التوصّل لاتّفاق لخفض 10 ملايين برميل يوميًا على الأقلّ، أو ربّما يرتفع إلى 15 مليون برميل يوميًا من الإنتاج. وقد يبرم الاتّفاق على أساس شهر مارس أو أبريل أو الربع الأوّل من عام 2020 ، على أن يبدأ التطبيق في شهر مايو، لثلاثة أو أربعة شهور، مع مراقبة تطوّرات السوق. مثل هذا الاتّفاق قد يضمن بدء السحوبات في الربع الثالث من العام، ويُبعد شبح التسابق في الإنتاج. ونوايا المنتجين اتّضحت مع تأجيل تسعير النفوط إلى ما بعد الاجتماع. حتمًا هناك محاذير ومخاوف، وربّما أجواء من الشكّ، لكن السيناريو البديل هو انهيار أسعار النفط، وهو ليس في مصلحة أيّ طرف.
هذه الأجواء نجحت في نقل مسؤولية استقرار الأسواق لتصبح دولية، وأبرزت دور أوبك ودور المنتجين الثلاثة الكبار.
أعتقد أننا أمام نظام عالمي جديد لأسواق النفط، وعلاقات دولية جديدة تنظّم الأسواق وتنتشلها من الفوضى. وأعتقد أن هذه الاجتماعات ستضع -بشكل واضح- آليّة العمل الجماعي الدولي لاستعادة استقرار الأسواق، وتعافي أسعار النفط عند 30 ، وربما 40 دولارًا للبرميل، إلى أن تتمّ السيطرة على فيروس كورونا، ثمّ تتعافى أكثر مع عودة الصناعة والتجارة والحركة والاستهلاك للتعافي من جديد... ربّما مع بداية العام القادم.
*خبير في أسواق النفط - المقال خاصّ لـ”الطاقة”