خيار وحيد أمام روسيا في أزمة أسعار النفط
ويلسون وانج*
عندما قرّر إيغور سيتشين -رئيس "روسنفت"، كبرى شركات النفط الروسية- أن يدير ظهره للسعوديين، وأن يحاول التنمّر، ظنًّا منه أن يتفوّق على الجميع، لم يكن يتصوّر أن أسعار النفط ستنخفض إلى أقلّ من 30 دولارًا للبرميل، أو أن انخفاض الطلب على النفط بسبب تفشّي فيروس كورونا المستجدّ سيتراجع بهذه الوتيرة.
والآن، بعد أن تعرّضت روسيا للفيروس التاجي، فإن انخفاض الطلب المحلّي، إلى جانب انخفاض الطلب في أوروبّا، سيضطرّ شركات الإنتاج الأعلى تكلفة، إلى الإغلاق. فنصف إنتاج روسيا من النفط الخام البالغ 11.2 مليون برميل يوميًا، يذهب إلى الاستهلاك المحلّي، فضلًا عن أن الصادرات عبر خطوط الأنابيب محدودة للغاية، بالنسبة لحجم إنتاج النفط الروسي الهائل.
لا تصدّر روسيا عبر خطوط أنابيب النفط سوى 1.6 مليون برميل يوميًا إلى الصين، ونحو 1 مليون برميل يوميًا إلى أوروبّا. أمّا معظم الإنتاج اليومي (8.6 مليون برميل)، فيجري تصديره عبر النقل البحري. وبالتالي سيضطرّ المنتجون الذين لا يستطيعون الوصول إلى خطوط الأنابيب، إلى الإغلاق.
على غرار بعض الخامات الأميركية التي تباع بأسعار زهيدة، كخام وايومنغ، تتحصّل شركات الإنتاج المحلّية الأصغر في روسيا، على أقلّ من 10 دولارات، مقابل البرميل الواحد.
تراكم المخزونات
ومع احتمال انخفاض عمليات مصافي النفط بشكل كبير، فإن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت، قبل أن يبدأ مشغّلو خطوط الأنابيب -مثل شركة (ترانسنفت) المملوكة للدولة الروسية- برفض نقل أيّ براميل إضافية عبر شبكة خطوطها. وهذا ما قد يجعل روسيا عرضة لتراكم المخزونات النفطية، وهو ما لا تستطيع روسيا تحمّله، بحسب تقارير لشبكة بلومبرغ، التي أكّدت أن سعة التخزين لديها محدودة للغاية.
وفي هذا السياق، قال إيغور ديومين -المسؤول البارز في ترانسنفت-، إن الشركة لا تستطيع حتّى أخذ هذه الكمّية من النفط، وتخزينها، لأكثر من شهر، مشيرًا إلى أنها تحتاج إلى الاحتفاظ بجزء من سعة خزّاناتها لتحقيق مرونة في الشحنات، وتجنّب الاختناقات في الموانئ البحرية والمصافي.
ليس هذا فحسب، بل حذّر ديومين من امتلاء الخزّانات، بقوله: "إذا امتلأت جميع الخزّانات، فسوف يتوقّف نظام الشحن الخاصّ تمامًا عن العمل".
وإذا حاول أيّ منتج إخفاء النفط في شبكة خطوط الأنابيب الضخمة في ترانسنفت، من خلال ضخّ المزيد في أحد الأطراف، أكثر من استخراجه من الطرف الآخر، فإن الشركة ستمتنع عن قبول أيّ كمّيات إضافية، وفقًا لديومين.
وهذا ما حدث العام الماضي، عندما اضطرّت شركة (روسنفت بي جيه إس سي) إلى تخفيض الإنتاج في وحدتها الرئيسة في غرب سيبيريا، لأن ترانسنفت قالت، إنها تضخّ ملايين الأطنان من النفط في خطوط الأنابيب أكثر ممّا تستخرجه. وقال ديومين، إن كمّية الخام المخزنّة في خطوط الأنابيب لا تزال عند مستويات مقبولة تقنيًا ولا تتزايد.
هدف السعوديين
والحقيقة أن هذه المعلومات والتفاصيل لا تبدو مفاجأة. فقد قلنا الشهر الماضي، في بداية حرب أسعار النفط، بعد فشل اجتماع أوبك بلس، إن المنتجين الروس هم هدف السعوديين.
والمعضلة الكبيرة بالنسبة لروسيا هي أن بعض الإنتاج يأتي من حقول متقادمة ومتهالكة للغاية، مثلما هو الحال بالنسبة للآبار الهامشية (الحدية) في الولايات المتّحدة، وهي آبار تقترب من نهاية عمرها المفيد اقتصاديًا.
وبمجرد إغلاق هذه الآبار الهامشية، بسبب عدم جدواها اقتصاديًا، فلن تعود أبدًا. والسبب في ذلك أن تكلفة الإغلاق تفوق صافي القيمة الحالية للآبار، حتّى لو عاد النفط إلى 50 دولارًا أو 60 دولارًا للبرميل.
هذه العقبة الكؤود ستجبر روسيا قطعًا على تخفيض كبير في الإنتاج، بصرف النظر عن موقفها الرسمي في اجتماع أوبك بلس.
ويُتوقّع أن يتأثّر ما بين مليون أو 1.5 برميل يوميًا، جراء إغلاق محتمل لشركات إنتاج أصغر وأكبر تكلفة في روسيا، من بينها 500 ألف برميل يوميًا، لن تعود أبدًا إلى السوق.
وبمجرّد انتهاء هذه الأزمة، ستصبح روسيا دون أيّ سعة احتياطية. ويمكن لشركة روسنفت أن تزيد من طاقتها القصوى، لكن إجمالي الإنتاج النفطي الروسي سيكون دون الذروة السابقة البالغة 11.2 مليون برميل يوميًا.
خيار وحيد
ممّا سبق، يتّضح أن روسيا ستخفض إنتاج النفط رغمًا عنها.. سواء أرادت ذلك أم لا. إنها ليست قوّة حقيقية في سوق النفط، لأنها لم تخفض الإنتاج في المقام الأوّل.
ويدرك السعوديون جيّدًا نقطة الضعف هذه، والمأزق الكبير الذي تعانيه روسيا في هذا الصدد، ومن ثمّ يسدّدون ضربات للروس في أبريل / نيسان، عبر تخفيضات في أسعار البيع الرسمية المستهدفة إلى أوروبّا.
سيضطرّ منتجو النفط الروس إلى وقف إنتاج ما بين 1 و 1.5 مليون برميل يوميًا خلال الشهر الجاري. وإذا لم يحدث ذلك، فإنهم سيضطرّون إلى تخفيض الإنتاج بما يتراوح بين 2 و3 ملايين برميل يوميًا في مايو / أيّار المقبل.
الخيار واضح أمام روسيا: إمّا تخفيض الإنتاج ومنع تراكم المخزونات، أو ترك معدّلات الإنتاج كما هي حاليًا، مع اضطرارها لتخفيض كمّيات أكبر في وقت لاحق.
*محلل مالي في قطاع النفط - المقال خاص لـ"الطاقة"