أوّل ضحايا كورونا وحرب أسعار النفط
موديز: عمان والعراق والبحرين وأنغولا ونيجيريا الأكثر تضرّرًا
- روسيا و السعودية وقطر وأذربيجان وكازاخستان الأقل تضررا
- أكثر من 10% تراجع في الناتج المحلي الإجمالي للدول النفطية
- معظم دول الخليج تعاني أزمة في تكييف ميزانياتها مع الأسعار الحالية
مع احتدام حرب أسعار النفط، وتفشّي فيروس كورونا المستجدّ عالميًّا، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن سوق الطاقة يمكن أن تظلّ مضطربة وغير منطقية لفترة أطول، ما يحول دون قدرة دول بأكملها على النجاة بأقلّ الخسائر من هذه الأزمة .
يراقب الجميع لمعرفة أيّ من طرفي الحرب النفطية- روسيا والسعودية- سيصرخ، حيث تهدّد وفرة الإمدادات وانخفاض الطلب بإرباك منشآت التخزين المتاحة.
اضطرّت السعودية إلى خوض الحرب النفطية ضد موسكو، بعدما أفشل العناد الروسي اجتماعًا لتحالف أوبك بلس كان يهدف إلى تمديد تخفيضات إنتاج النفط لضبط الأسعار التي تراجعت كثيرًا، بسبب تفشّي كورونا والتدابير التي اتّخذتها دول العالم لمكافحته.
تبنّت عشرات الدول المنتجة للنفط مجموعة من تدابير التقشّف وخفض الإنفاق في محاولتها تجاوز أكبر هزّة تتعرّض لها صناعة النفط في الذاكرة الحيّة.
ولكن للأسف، فإن الزوايا الأكثر خطورة للأسواق المالية العالمية هي التي ستظهر كضرر جانبي لحرب أسعار النفط المستمرّة، حسبما ذكر تقرير لموقع (أويل برايس) في ضوء تحذيرات وكالة التصنيف الائتماني الأميركية (موديز) حول أوّل ضحايا حرب أسعار النفط.
حذّرت وكالة موديز من أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط سيخفض -على الأرجح- الإيرادات المالية والصادرات لمعظم الدول المصدّرة للنفط المعرّضة للخطر بأكثر من 10 %من الناتج المحلّي الإجمالي، وبالتالي يُضعف أوضاعها الائتمانية.
الأكثر تضرّرًا
ورأت موديز أن الدول الأكثر تضرّرًا من انخفاض أسعار النفط في الفترة 2020-21 هي تلك الأكثر اعتمادًا على الهيدروكربونات في الصادرات والإيرادات المالية، مشيرةً إلى قدرتها المحدودة على التكيّف مع هذا الوضع الجديد الذي فرضه تفشّي كورونا وحرب أسعار النفط.
وفي هذا السياق، قالت موديز، إن الدول الأكثر عرضة للخطر هي عمان والعراق والبحرين وأنغولا ونيجيريا، بسبب قدرتها المحدودة على التكيّف مع الصدمات الخارجية. ويمكن أن تشهد هذه الدول انخفاضًا في الإيرادات المالية يتراوح بين 4 و8% من الناتج المحلّي الإجمالي إذا استمرّ تراجع أسعار النفط.
وعلاوةً على ذلك، فإن الغالبية العظمى من دول الخليج العربية -بحسب موديز- غير قادرة على تعديل ميزانيّاتها مع أسعار النفط التي تبلغ 40 دولارًا للبرميل، فماذا عن المستوى الحالي الذي انهار فيه سعر البرميل إلى نحو 20 دولارًا؟
هذه الاقتصادات النامية في وضع لا تحسد عليه، لاسيّما مع هروب رؤوس الأموال وتضرّر التدفّقات النقدية الهائلة، مع مواصلة المستثمرين تصفية أصولهم في الأسواق الناشئة.
الأقلّ تضرّرًا
على النقيض من ذلك، يُنظر إلى دول مثل روسيا والمملكة العربية السعودية وقطر وأذربيجان وكازاخستان، على أنها أقلّ عرضة للخطر، مع انخفاضات متوقّعة في الإيرادات المالية والصادرات بنسبة تقلّ عن 3٪ من الناتج المحلّي الإجمالي.
وبالرغم من بعض المؤشّرات التي تفيد بأن موسكو هي التي ستصرخ أوّلًا من انهيار الأسعار، فإن موديز ترى أن روسيا أقلّ تعرّضًا للصدمات الخارجية والاضطرابات في أسواق الطاقة من معظم الدول المصدّرة للنفط، بسبب احتياطياتها الضخمة من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى مرونة سعر الصرف فيها.
وأشارت الوكالة الأميركية في هذا الإطار، إلى أن تكلفة رفع برميل النفط المكافئ لأكبر منتج للنفط في روسيا، روسنفت، هي الآن أقلّ من نفس المقياس بالنسبة لشركة النفط السعودية العملاقة (أرامكو)، وذلك بفضل ضعف العملة الروسيّة (الروبل).
انخفض الروبل بنحو 15 % مقابل الدولار الأميركي على مدار الثلاثين يومًا الماضية، حيث وصل مؤخّرًا إلى أدنى مستوى في أربع سنوات مقابل الدولار، بعد أن انهارت أسواق النفط.
وبالرغم من ذلك، تقول روسيا، إنها سعيدة جدًا بأسعار النفط التي تتراوح بين 25 إلى 30 دولارًا للبرميل، ويمكنها الصمود عند هذه المستويات لمدة 6-10 سنوات، على حدّ زعمها.
وأعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك مؤخرًا، أن شركات النفط الروسية ستظلّ قادرة على المنافسة "عند أيّ مستوى متوقّع للأسعار".
مرونة سعر الصرف
أحد العوامل الرئيسة التي تعمل لصالح روسيا هو سعر الصرف المرن الذي يسمح لشركاتها النفطية بجمع الإيرادات بالدولار، ودفع نفقاتها الخاصّة بالروبل.
ويمكن أن يعني ضعف الروبل اتّساعًا كبيرًا في هوامش شركات الطاقة الروسية، كما يتّضح من متوسّط تكلفة رفع روسنفت، التي انخفضت من 3.10 دولارًا للبرميل من مكافئ النفط العام الماضي، إلى 2.50 دولار فقط في الوقت الحالي.
وهذا أرخص حتّى من أسعار أرامكو السعودية، التي ظلّت تتراوح بين 2.50-2.80 دولارًا.
ويعود ذلك إلى أن عملة السعودية -الريال- مربوطة بالدولار بسعر صرف ثابت. وهذا يعني أن تكاليف الدولار لأرامكو السعودية ظلّت كما هي -تقريبًا- حتّى بعد انهيار أسعار النفط.
على نفس المنوال، من المرجّح أن يواجه منتجو نفط-مثل نيجيريا-، والذين يدافعون بشدّة عن ثبات سعر الصرف، أزمة أكبر. فقد فرضت الحكومة النيجيرية ضوابط على العملة لوقف تدفّقات الدولار خلال أزمة النفط عام 2016.
ولكن للأسف، لم يوقف هذا التقارير عن نقص الدولار في الدولة الإفريقية العملاقة في مجال النفط، خلال أسابيع فقط من حرب أسعار النفط.
هل تبقى صناعة النفط الصخري الأميركية على قيد الحياة ؟
كانت صناعة النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة تواجه مستقبلًا غير مؤكّد قبل وقت طويل من حرب أسعار النفط وما تلاها من انهيار السوق بفضل وفرة الإمدادات، وتراجع الأسعار، وزيادة المنافسة من الطاقة المتجدّدة، وتضاؤل رأس المال الذي دفع عددًا قياسيًا من الشركات إلى الإفلاس.
كما هو الحال مع التراجع النفطي الأخير، من المرجّح أن تبقى فقط شركات النفط الصخري الأكثر قوّة وتمويلًا وكفاءة على قيد الحياة، إذا بقيت الأسعار منخفضة لفترة طويلة.
مرّة أخرى، سيعاد تشكيل هذه الصناعة الأميركية لتصبح أصغر حجمًا وأكثر تركيزًا، بحيث يكون البقاء فيها للأقوى.
ومن هذا المنطلق، حذّر خبراء من موجة جديدة من التخلّف عن السداد والإفلاس بموجب ما يسمّى (الفصل الحادي عشر)، حيث تعدّ شركات خدمات حقول النفط أكثر عرضة للخطر.
وبدأت العشرات من شركات النفط الصخري تقليص عدد حفّاراتها في الحوض البرمي، بينما أعلنت عشرات أخرى تخفيضات كبيرة في برامج المساهمين، بما في ذلك إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح.
وبالرغم من هذه الهزّات العنيفة، يتوقّع محلّلون أن ينجو قطاع النفط الصخري الأميركي من أحدث صدع بسبب تراجع الطلب على النفط، والذي من المتوقّع أن يستمرّ في النموّ على المدى الطويل.
الدمج والإفلاس من الأشياء الجيّدة في الواقع للصناعة المتضخّمة، لأنه سيساعد على تجميع الموارد بين اللاعبين الأقوى المتبقّين، ما يجعل هذا القطاع أكثر مرونة في السنوات المقبلة.