"النفط الصخري" يسحق بين رحي "كورونا" وسندان "حرب الحصص"
50 دولار للبرميل... الرقم السحري للعمليات المربحة
خاص-الطاقة
- التباطؤ الحاد لم يعد وجهة نظر الأقلية بين المحللين والمستثمرين، لكن الآن هو رأي الإجماع... والمؤشرات تشير إلى مزيد من خيبات الأمل في النمو
- بعضا من أكبر شركات التنقيب رفعت معدلات توزيع الأرباح على أمل وقف النزيف
ظهرت علامات التباطؤ مع انخفاض الإنتاج في صناعة النفط والغاز الصخري، لكن المستثمرين يواصلون إنقاذ أسهم شركات النفط والغاز.
وتوقع مختصون ومحللون أن يؤدي انهيار أسعار النفط الخام بشكل حاد إلى إفلاس أكثر من نصف منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة بسبب صعوبة الاستمرار في تلك البيئة السعرية في ظل استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث تبلغ التكلفة الحدية للبرميل الصخري نحو 35 دولارا للبرميل، وهو ما يعني صعوبة استمرار الإنتاج بالمعطيات الحالية إلا لفترة شهور قليلة.
هذه الضغوط بدأ يظهر تأثيرها في عمليات الحفر والإنتاج، حيث يظهر أحدث تقرير عن إنتاجية الحفر الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الإنتاج في جميع أحواض النفط والغاز الصخري الرئيسة بدأ في الانخفاض، حتى النمو المتوقع في هذا الحوض (البرمي) لشهر مارس (آذار) هو جزء بسيط من معدلات النمو التي شوهدت خلال فترة الانتعاش لعام 2018.
ومحتمل أن تأثيرات فيروس كورونا لم يتم أخذها في الحسبان حتى الآن في بيانات الإنتاج. وغالبا ما تستغرق التحولات في نشاط الحفر وعدد الحفارات العاملة عدة أشهر بعد حدوث تغيير كبير في الأسعار، لذلك قد يكون هناك تراجع آخر في الأشهر المقبلة، مع تراجع خام غرب تكساس الوسيط إلى دون 50 دولارا للبرميل، فإن عديدا من شركات النفط الصخري قد تصبح عملياتها غير مربحة.
شركات النفط الصخري معرضة بدرجة كبيرة لتقلبات الأسعار، حيث خفضت شركة JBC Energy في تقرير صدر لها منتصف الشهر الماضي توقعات نمو إنتاج النفط الصخري إلى 760 ألف برميل يوميا عام 2020، بانخفاض 120 ألف برميل يوميا.
وقالت الشركة إن بيئة الأسعار المنخفضة حاليا التي من غير المتوقع أن تتغير في أي وقت قريب، تجعل من الصعب على شركات قطاع النفط الصخري تحقيق معدلات إكمال الآبار المتوقعة سابقا.
ولايزال التحدي الدائم الذي يواجه "أوبك" وشركاءها، المتمثل في محاولة تحقيق التوازن في أسواق النفط قائما، لكن بعد أعوام من المواجهة مع النفط الصخري في الولايات المتحدة، لم تعد المشكلة تدور حول إنتاج النفط من تشكيلات العصر البرمي أو من حوض باكن فقط.
على مدى الأعوام الخمسة الماضية، كان نمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة هو التحدي الرئيس في تحقيق التوازن الذي تنشده (أوبك) وشركاؤها، لكن ليس هذا هو الحال في عام 2020؛ حيث إن الطلب على النفط هو الآن المحرك الرئيس للاختلالات بين العرض والطلب، في حين أن نمو الإنتاج في الولايات المتحدة يتباطأ.
وقدر بنك الاستثمار "ستاندرد تشارترد" نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة هذا العام عند 0.6 مليون برميل يوميا، و0.55 مليون برميل في اليوم في عام 2021، كلاهما أقل من نصف معدل نمو الإنتاج في عام 2019، الذي قدره 1.237 مليون برميل في اليوم.
ومضى البنك الاستثماري قائلا: "من المتوقع حدوث أكبر تباطؤ في إنتاج ولاية تكساس، حيث يتوقع نمو الإنتاج بمقدار 309 آلاف برميل في اليوم في عام 2020، بانخفاض عن 664 ألف برميل في اليوم في عام 2019. وأضاف البنك أن التباطؤ الحاد لم يعد
وجهة نظر الأقلية بين المحللين والمستثمرين، لكن الآن هو رأي الإجماع، والمؤشرات تشير إلى مزيد من خيبات الأمل في النمو.
من جانب آخر، أشار "مورغان ستانلي" إلى أن بعضا من أكبر شركات التنقيب عن النفط الصخري رفع معدلات توزيع الأرباح، وعلى أمل وقف النزيف مع إحجام المستثمرين عن الاستثمار في قطاع الطاقة، زادت شركات النفط الصخري الكبيرة مثل Devon Energy وPioneer Natural Resources من توزيع الأرباح.
• النفط الصخري طرفاً في حرب اسعار النفط
أوضح تقرير بموقع أويل برايس الأميركي بأن النفط الصخري في الولايات المتحدة سيكون طرفا في حرب الحصص وأسعار النفط التي شنتها السعودية وروسيا، عقب انهيار اتفاق لزيادة خفض الإنتاج بين أوبك والمنتجين الكبار من خارج المنظمة لدعم أسواق الخام.
وقال التقرير إنه من المرجح أن تسعى كل من روسيا والسعودية إلى الحد من إنتاج النفط الأميركي، الذي قوض جهود "أوبك بلس" لإدارة السوق إلى حد الآن.
وجاء في التقرير أن "أهوالا جديدة" ظهرت بسوق النفط، حيث شنت روسيا والسعودية حربا شاملة على أسعار الخام في الوقت الذي تستعد فيه كلتاهما لزيادة الإنتاج وإغراق السوق، مشيرا إلى أن جهود ضبط السوق مكنت كبار المنتجين من المحافظة على أسعار النفط لفترة من الزمن، لكنها فتحت أيضا الباب أمام استغلال النفط الصخري في الولايات المتحدة، حيث كانت الشركات المنتجة الأميركية على استعداد للاستفادة منه.
وأعربت روسيا عن رغبتها في تراجع حصة النفط الصخري الأميركي عبر آلية أسعار النفط المنخفضة، التي تأمل من خلالها موسكو تعطيل خطة أميركا للاستقلال في مجال الطاقة.
ولم يبد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أي اهتمام بعقد مباحثات مع روسيا. وقال الأمير عبد العزيز "ليس من الحكمة عقد اجتماعات في مايو أو يونيو، فهي لن تثبت سوى فشلنا في الاهتمام بما كان ينبغي علينا فعله في أزمة كهذه واتخاذ الإجراءات اللازمة".
وتضع المملكة العربية السعودية سيناريوهات مالية للتعامل مع انهيار أسعار النفط بين 12 إلى 20 دولارًا للبرميل، حتى إنّها تتوقع التعامل مع سعر دون 10 دولارات للبرميل.
وتقول روسيا إنها تستطيع تحمل حرب الأسعار من 25 إلى 30 دولارًا للبرميل لمدة 6 إلى 10 سنوات. لا يبدو أي من الجانبين على استعداد للتزحزح.
• الشركات تواجه شبح الافلاس
قال مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات روبين نوبل أن الإدارة الأميركية تعمل حثيثا على التقليل من حجم الأزمة من خلال إجراءات تنشيطية ينفذها بنك الاحتياطي الفدرالي وآليات أخرى لتخفيض الضرائب وتنشيط الوظائف، لكن تبقى المشكلة عميقة في إيطاليا وهي من الاقتصادات الرئيسة في العالم حيث لا تزال مدن عديدة في شمال إيطاليا مغلقة.
وأوضح مدير قطاع آسيا في شركة "أم أم آيه سي" الألمانية للطاقة أندري غروس، أن الموقف الروسي المفاجئ الذي أنهي اتفاق تخفيضات الإنتاج في تحالف "أوبك +" أربك حسابات السوق وأوجد تخمة واسعة في إمدادات النفط الخام مقابل ضعف الطلب العالمي جراء انتشار فيروس كورونا، قائلاً إن انهيار المحادثات أدى إلى انخفاض سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى مستوى متدنٍ قياسي للأسعار.
وقالت كبير المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان غولميرا رازيف، إن "أوبك" واجهت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بتخفيضات إنتاجية مؤثرة، لكن الوضع الحالي يختلف مع وجود ضعف واسع في الطلب بلا تخفيضات إنتاجية اعتبارا من الشهر المقبل.
وأوضحت أنه حتى الآن فإن التوقعات تشير إلى أن صناعة النفط الأميركية قد تكون أكبر المتضررين؛ حيث تخوض حاليا أزمة تاريخية ربما تكون أسوأ بكثير من الانهيار المالي في عام 2008 لأن السوق تواجه ضغوطا متضاعفة عبارة عن مزيج من العرض الهائل المتراكم بالتزامن مع صدمة انكماشية كبيرة في الطلب في الوقت نفسه.
• تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الاميركى
استمرار ضغوط الأسعار الهابطة على صناعة النفط الأميركية ذات المديونية العالية، ربّما يؤدّي، وفق كبير الاستراتيجيين في مؤسسة «برايتسفير» للاستثمار، جون فورسيث، إلى "العجز عن سداد الديون". وتبعات ذلك ستكون كبيرة على الاقتصاد الأميركي بالنظر إلى أن هذه الصناعة شكّلت ما يصل إلى 10% من النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة كما أضافت أكثر من 10 ملايين وظيفة.
ويدرس مسؤولون في إدارة دونالد ترامب خططاً لدعم منتجي الطاقة، بما في ذلك شراء النفط بالأسعار المنخفضة الحالية لتخزينه ضمن الاحتياطي الاستراتيجي المُحتفظ به في مستودعات تمتدّ على سواحل تكساس ولويزيانا. لكن خبير الطاقة ونائب رئيس مجلس إدارة «آي إتش إس ماركت»، دانيال يرجين، يبدى شكوكاً إزاء ذلك: «لا أرى كيف يمكن استخدام الاحتياطي الاستراتيجي... مع كمية النفط القادمة إلى السوق سيؤدي هذا فعلياً إلى تضخّم المخزونات، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لخفضها».
وتعدُّ صناعة النفط الصخري الأميركية الخاسر الأكبر من كل ما يحدث، لأن استمرار أسعار الخام في الولايات المتحدة عند حدود 30 دولاراً لمدّة طويلة سيؤدّي إلى إفلاس الكثير من الشركات.
ونظراً إلى الانخفاض الحادّ في إمدادات النفط الصخري، ستبدأ مستويات الإنتاج في البلاد بالانخفاض أكثر، ويُقدِّر الرئيس التنفيذي لشركة «بايونير نانتشرال ريسورسيز»، سكوت شيفيلد، انخفاض الإنتاج الأميركي بأكثر من مليون برميل يومياً، بحلول العام المقبل، إذا بقيت الأسعار على ما هي عليه. لكن حتى قبل انهيار اتفاق «أوبك+»، فإن تباطؤ نموّ إنتاج النفط الصخري كان متوقّعاً بفعل انخفاض الأسعار والقيود على رأس المال وسط تشكُّك المستثمرين في قطاع ضعيف الربحية.
• الصمود في حرب الاسعار
مع دخول أسعار الأسهم في حالةٍ من السقوط الحر، تضاعف عدد شركات نفط الزيت الصخري التي أعلنت خفض النفقات في بداية الأسبوع. إذ أعلنت شركتا Diamondback Energy وParsley Energy على الفور خفض الإنفاق وتقليل نشاط الحفر.
وكذلك قرَّرت شركة Cenovus Energy الكندية للنفط تخفيض نفقاتها الرأسمالية للعام الجاري بنسبة 32% وتوجيهات الإنتاج بنسبة 5%. فيما أعلنت شركة Ovintiv أنَّها ستخفض الإنفاق، وحاولت طمأنة المستثمرين القلقين بأنَّها تملك سيولة كافية. وخفَّضت شركة Marathon Oil الإنفاق بـ500 مليون دولار.
وحتى شركة Chevron اعترفت بأنَّها قد تحتاج إلى خفض الإنفاق، بعد أيام قليلة من كشفها عن أهدافها الطموحة بشأن التدفق النقدي الحر على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وقالت الشركة في تصريحٍ لوكالة رويترز: “نراجع بعض البدائل لخفض النفقات الرأسمالية، التي من المتوقع أن تخفض الإنتاج قصير الأجل، وتحافظ على القيمة طويلة الأجل”. وتُعَد شركة Chevron أول شركة نفط كبرى تشير إلى أنها قد تخفض الإنفاق، وقد ذكرت أنَّها تحتاج إلى وصول سعر البرميل إلى 55 دولاراً من أجل تغطية نفقاتها ودُفعات المساهمين.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة بايونير للموارد الطبيعية سكوت شيفيلد، إنه يرى أن عشرات الآلاف سيتم تسريحهم خلال العام المقبل في جميع أنحاء صناعة النفط. وأضاف: "أنا أعتبر هذا بمثابة حافز بقيمة 1 تريليون دولار للاقتصاد العالمي مع انخفاض أسعار النفط 30 دولارا".
وتابع: بايونير آمنة، ولكن شركات أخرى حفر في رواسب الصخر الزيتي في داكوتا الشمالية، أوكلاهوما وفي ولاية تكساس ستواجه صعوبات.
وقال في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست: "اننا نستعد لسنتين من الاسعار المنخفضة وسنقوم بالتعديلات الضرورية للحفاظ على موازنتنا الكبيرة". وأضاف: "سيكون هناك العديد من حالات الافلاس في صناعاتنا وعشرات الالاف من عمليات التسريح خلال الاشهر المقبلة".