في حرب النفط.. ترامب يستخدم سلاح الاحتياطيّ الإستراتيجي
ترامب يقرّر شراء كمّيات كبيرة لملء الاحتياطي، وأسعار النفط ترتفع 5%
حازم العمدة
- ترامب يحقق أهداف سياسية واقتصادية من هذا الشراء
- القانون يمنع استخدام الاحتياطي للتأثير في الأسعار
في خطوة أدّت إلى ارتفاع النفط بأكثر من 5 بالمئة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إدارته ستقوم بشراء كمّيات كبيرة من النفط لملء الاحتياطي الإستراتيجي.
يأتي هذا القرار الذي أعلنه الجمعة بعد انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، وتأثّر قطاع النفط الأمريكي سلبياً بهذا الانخفاض.
كان ترامب يهدف إلى مساعدة القطاع النفطي، إلّا أنه جابه مشكلتين، الأولى رفض صناعة النفط للإعانات لأن ذلك يتعارض مع مبادئها من جهة، ولأنه يشوّه سمعتها من جهة أخرى، والمشكلة الثانية تحرّك مجلس الشيوخ لمنعه قانوناً من تقديم أيّ اعانات ماليّة لقطاع النفط.
وأمام هذه الظروف، كان الحلّ هو ملء الاحتياطي الإستراتيجي لدعم أسعار النفط.
وتبلغ الطاقة القصوى للخزّانات، وهي مغاور ملحية تحت الأرض، 714 مليون برميل، إلّا أن كمّية النفط الموجودة الآن تُقدّر بنحو 634 مليون برميل.
هذا يعني أن ما يمكن للحكومة الأمريكية شراؤه هو 80 مليون برميل. أي يمكنها شراء نصف مليون برميل يوميًا لمدّة خمسة شهور مستمرّة تقريبًا. وتقوم إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بنشر بيانات الاحتياطي الإستراتيجي أسبوعيًا. وهنا توجد شروط قانونية صارمة لعمليات البيع والشراء.
كانت الحكومة الأمريكية تبيع من المخزون لتغطية مصارفه بقرار من الكونغرس، حتّى أوقِف البيع مؤخّرًا مع انهيار أسعار النفط.
ويرى مراقبون أن ماقام به ترامب يشكّل قرارًا سياسياً واقتصاديًا في الوقت نفسه، حيث يدعم صناعة النفط الأمريكية التي تعاني من انخفاض أسعار النفط قبل الانتخابات، كما أنه يشتري النفط الرخيص لاستخدامه لاحقًا وقت الأزمات عندما تكون الأسعار مرتفعة.
بيد أن هناك هناك مشكلة ستواجه حكومة ترامب، وهي أن الفراغ الموجود في الخزّانات هو للنفط المتوسّط الحامض، وهو نوع لا يتوافر بكثرة في الولايات المتّحدة، ولكنه يتّفق مع النوعية المستوردة من السعودية والعراق وبعض دول أمريكا اللاتينية. وهذا يعني أن منتجي النفط الصخري لن يستفيدوا من القرار مباشرة لأن النفط الذي ينتجونه من النوع الخفيف الحلو.
نبذة تاريخية
لعب النفط دورًا مهمًّا في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل الولايات المتّحدة تفكّر وقتها في إنشاء احتياطي إستراتيجي، خاصّةً مع تحوّلها إلى بلد مستورد للنفط، بعد أن كانت مصدّراً له.
لكن أزمة الطاقة التي عانت منها الولايات المتّحدة منذ 1971، والتي توّجت بالمقاطعة النفطية، جعلت الولايات المتّحدة تفكّر جدّيًا في الموضوع، فأسهمت في إنشاء وكالة الطاقة الدولية عام 1974، ثمّ قام الرئيس جيرالد فورد بالتوقيع على مشروع قانون في 1975 لإنشاء مخزون نفطي إستراتيجي قدره مليار برميل. وأقرّ القانون باستخدام الاحتياطي وقت الطوارئ فقط، وليس للتأثير في أسعار النفط. وبدأ ملء الاحتياطي عام 1977.
وكان أوّل من استخدم الاحتياطي الإستراتيجي هو الرئيس جورج بوش الأب عام 1991 مع بداية حرب الخليج لتحرير الكويت. ثمّ قام بيل كلينتون باستخدامه أيضًا مع ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات مباشرة 2000.
وكان كلينتون أوّل رئيس يقرّ -بموافقة الكونغرس- بيع النفط من الاحتياطي الإستراتيجي لتغطية تكاليفه بهدف تخفيض العجز في الموازنة الفيدرالية، وهو نفس الأمر الذي قام به ترامب منذ استلامه منصب الرئاسة. وكان الرئيس جورج بوش (الابن) قد أمر -بعد أحداث سبتمبر/أيلول 11 في 2001 - بملء الاحتياطي الإستراتيجي إلى أقصاه. ولدى الولايات المتّحدة ستّة مواقع، اثنان في تكساس، وأربعة في لويزيانا.
دور الاحتياطي
هناك خلاف بين الخبراء حول جدوى الاحتياطي ومدّة فعالية السحب منه. فهناك من يرى أنه لا جدوى منه وهو مجرّد إعانات طفيفة لصناعة النفط الأميركية، لأنه لو لم تخزّن الحكومة لاضطرت الشركات إلى تخزين كمّيات أكبر ممّا تخزّنه.
لهذا يرون أنه يجب بيعه والتخلّص من البرنامج كله، وهذا هو أيضًا رأي الرئيس ترامب، لهذا فإن تصرّفه اليوم يعارض مبادئه. وهناك من يرى أن له فوائد كبيرة تتعلّق بالأزمات الكبيرة، ويستدلّون بأثاره الإيجابية وقت الأزمات، خاصّةً فترة الأعاصير في خليج المكسيك.
تاريخيًا -لا سيّما في السبعينات وبداية الثمانينات- دعمَ ملء الاحتياطي أسعار النفط. هذا يعني أن بعض دول أوبك استفادت من ذلك لأنه كان جزءًا من الطلب على نفطها. كما تستفيد منه دول أوبك لأنه أوّل صمام أمان في حالة الطوارئ والانقطاع المفاجئ في إمدادات النفط. وردّة فعل أسعار النفط اليوم بالارتفاع أكثر من 5% تشير إلى دور الاحتياطي في التأثير في الأسعار.