هل يتحول حلم الغاز اللبناني إلى كابوس؟
"توتال" بدأت التنقيب في المياه اللبنانية
خاص- الطاقة
- الإنتاج الفعلي قد يستغرق سنوات
- خبراء يحذرون من الإفراط في التفاؤل والتوقعات
- التصدير بالغ الصعوبة والسوق المحلية مفتاح الحل
- النزاع البحري مع إسرائيل أبرز التهديدات
بنبرة يعلوها تفاؤل وآمال عريضة، وقف الرئيس اللبناني ميشال عون قبل نحو أسبوع ليعلن في خطاب متلفز ما وصفه بدخول بلاده رسميا نادي دول النفط والغاز.. أعلن عون بدء شركة توتال الفرنسية أعمال الحفر والتنقيب عن الغاز في مياه لبنان الإقليمية بحوض شرق المتوسط.
ليس هذا فحسب، وإنما أفرط عون في التفاؤل عشية بدء أعمال التنقيب بقوله " لبنان سيشهد غدًا يوما تاريخيا، سوف يذكره حاضر لبنان ومستقبله، بأنه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسميا نادي الدول النفطية"، وفقا لما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية.
ولكن بعيدا عن بريق التصريحات والأمنيات، باتت أسئلة عديدة تترد على ألسن اللبنانيين والخبراء: هل نفرط في التفاؤل ونعيش حلم التحول إلى الدولة النفطية قريبا، الذي ينتشل لبنان من كبواته الاقتصادية أم أننا سنستيقظ على كابوس لنجد الاقتصاد اللبناني يراوح مكانه؟ هل هذا التفاؤل قائم على دراسات واقعية وتخطيط ورؤى تضمن تحقيق هذا الحلم؟ وهل هذا الطريق مفروش بالورود أم أن هناك تحديدات بل تهديدات تكتنف هذا المسار؟
بدأ التنقيب الذي تأخر طويلا بحفر أول بئر في الرقعة رقم 4 قبالة شمال غرب العاصمة بيروت في حين يجري التحضير لحفر آبار في الرقعة رقم 9 في وقت لاحق من العام.
وقع كونسورتيوم يضم توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتك الروسية اتفاقا مع لبنان في 2018 لاستكشاف النفط والغاز في هاتين الرقعتين البحريتين.
يقع لبنان على حوض الشام في شرق البحر المتوسط، حيث جرى اكتشاف عدد من حقول الغاز الكبيرة تحت مياه البحر منذ 2009 بما في ذلك الحقلان لوثيان وتمار في المياه الإسرائيلية والواقعان قرب حدود بحرية متنازع عليها مع لبنان.
وبالطبع يعطي تحقيق أي كشف في مجال الطاقة دفعة كبيرة للاقتصاد اللبناني المتداعي، لكن الأمر ليس بهذه السهولة حيث لن تمتلئ خزانة الدولة بين عشية وضحاها.
يستغرق سنوات
لسنوات طويلة انتظر لبنان للانتقال إلى مرحلة استكشاف الغاز في مياهه، وربما يحتاج إلى سنوات- عشر سنوات وفق بعض التقديرات لبدء الإنتاج. وأي حديث عن مرحلة تطوير أي حقل نفطي يحتاج بالدرجة الأولى إلى أسواق داخلية لاستهلاك الكميات التجارية. فالبحث عن أسواق خارجية سيؤخر الاستفادة من هذا القطاع في ظل ظروف كالتي يعيشها لبنان.
والحقيقة أن أزمة لبنان المتفاقِمة هذه الأيام تتشعَّب لتمتد من الاقتصاد والسياسة إلى المال والنقد، وصولا إلى تحذيرات من انفجارٍ اجتماعي، وسط جهودٍ حكومية وسياسية لمنع الوصول إلى نقطة اللاعودة والمخاطرة بمستقبل البلاد. لكن تبقى نقطة ضوء يرتقبها الجميع هناك، وهي تتمثَّل باكتشافاتٍ لمخزوناتٍ من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية اللبنانية.
مع الإعلان عن بدء عملية الاستكشاف في مياهه، انتقل لبنان إلى مرحلة جديدة في عالم النفط والغاز، ولكن الخبراء يحذرون في هذه المرحلة من المبالغة في التوقّعات الإيجابية. فالاعتقاد بأن البلاد ستنام على أزماتها الاقتصادية وتستيقظ على نموذج الدول الغنية خاطئ.
يتطلب هذا المسار خريطة طريق ومراحل متعددة قد تأخذ سنوات. كما أنه من المبكِر جدا تصور أن عائدات الغاز ستحل أزمات البلاد، علماً أن الاستفادة منها لن تتحقّق قبلَ عشر سنوات، وهو مسار قابل للانسداد في حال عدم وجود أسواق داخلية تستهلِك الإنتاج.
الأسبوع الماضي، بدأت سفينة الحفر (تانغستين إكسبلورر) عملها في المياه اللبنانية، الذي يُفترض بأن يستمر على مدى شهرين، قبلَ أن تجري شركة "توتال" الفرنسية الدراسة اللازمة لتحديد إذا ما كانت هناك كميات تجارية قابلة للاستخراج.
تشير بعض التوقعات إلى أن احتمال وجود "ثروة" في البئر الأولى لا يزيد عن 25 %، وهذا أمر طبيعي عاشته كل دول العالم، حيث احتاجت إلى حفر أكثر من بئر، بعدَ أن كانَت البئر الأولى، مصدراً غنياً بالمعلومات الجيولوجية يُمكن الاستناد إليها لحفر آبار أخرى.
السوق الداخلية
وبصرف النظر عن اكتشاف كميات تجارية قابلة للاستخراج أم غير قابلة، يثير خبراء في قطاع النفط والغاز تحديا موازيا لمرحلة الاستكشاف، وهو كيفية تطوير السوق الداخلية، لأن إغفال هذه الخطوة يعني تأجيل الإنتاج 10 سنوات، وفقا لما لما ذكره موقع (لبنان 24) الإخباري.
مرحلة الاستكشاف تليها مرحلة تطوير الحقول للإنتاج، وهذا الأمر يجِب أن تسبقه خطط تسويقية، أهمها إيجاد سوق داخلية لاستهلاك الكمية، على سبيل المثال، تحويل كل محطات الكهرباء في البلد للعمل بالغاز الطبيعي، لأن وجود كميات من الغاز قابلة للاستخراج دون وجود سوق داخلية للاستهلاك، سيدفع بالشركات إلى عدم تطوير الحقل على مدى سنتين أو ثلاث، أي الانتقال إلى مرحلة جديدة، بل ستذهب للبحث عن أسواق خارجية، وهو ما يحتاج إلى ضخ استثمارات وأموال طائلة لا يستطيع لبنان تحملها في الوقت الراهن.
وإذا حدث ذلك، فإن لبنان قد يكرر نفس تجربة حقل (أفروديت) القبرصي، فقد بدأت الاكتشافات عام 2011، وحتى الآن لم يبدأ الإنتاج
تأجيل الإنتاج
تجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع محطات الغاز المخصصة من قبل لبنان لتحويل الغاز المسال المستورد بحراً إلى غاز يُستخدم في شركات إنتاج الكهرباء، من شأنه تأجيل الإنتاج إلى عام 2032.
في هذا السياق، يرى خبراء أنه ينبغي على الدولة اللبنانية الأخذ في الاعتبار أن نتائج الاستكشاف في البئر الأولى يمكن أن تكون إيجابية، وفي حال وقعت الدولة عقود استيراد غاز من الخارج تصل مدتها إلى عشر سنوات، فإن ذلك يعني عدم وجود أسواق داخلية، لأن المؤسسات تؤمّن حاجتها من الخارج.
ولأنه سيكون من الصعب فسخ العقود بسبب الغرامة العالية التي ستتكبّدها الدولة، ستجد الشركات التي تتولى اليوم التنقيب والحفر ستكون ملزمة بانتظار إيجاد أسواق داخلية، أو البحث عن سوق خارجية.
ومن هذا المنطق، يرى خبراء طاقة أنه في حالة وجود كميات تجارية كافية مع توافر سوق داخلية، سيتيح ذلك للشركات "تطوير حقل صغير لتمويل محطات إنتاج الكهرباء بين عامي 2023 و 2025"، أما البحث عن أسواق خارج لبنان فمن شأنه أن يؤجّل عملية تطوير الحقل إلى عام 2028 أو عام 2030، أي أن هناك 10 سنوات قد تفصل بيروت عن التصدير.
الاهتمام بتأمين أسواق داخلية، وفقا للخبراء، نابِع أيضاً من كون أن "تصدير الغاز إلى الخارج هو أمر بالِغ الصعوبة، نظراً إلى تداخل العوامل السياسية فيه"، فهذه العملية ليست تقنية، وإنما تحتاج في المقابل إلى عمليات تفاوضية تقوم بها الدولة اللبنانية مع عدد من الدول.
تهديدات
في السياق ذاته، فإن هناك مجموعة من التهديدات تلوح في أفق المشروع اللبناني الطموح، قد تعيق وصول خيراته إلى بيوت اللبنانيين. أول هذه التهديدات يرتبط بحجم الأزمات الحالية في البلاد وصعوبة خروجها منها دون تغيير النموذج الاقتصادي القائم على الاستدانة وتثبيت سعر الصرف الرسمي والفوائد المصرفية العالية.
وحتى لو حصلت على تدفّقات مالية جديدة من عائِدات الغاز، ترزح البلاد تحت تحت ديون تقدر قيمتها بنحو 90 مليار دولار، مع فوائد واستحقاقات سنوية، وعجز في الميزان التجاري يقتربمن 17 مليار دولار.
التهديد الثاني للآمال المعقودة على قطاع الطاقة اللبناني هو الفساد السياسي الذي قد يطيح بأية ثروة وطنية مُتوقّعة، إذا لم تتم عملية إصلاحٍ حقيقي يخرِج البلاد من المحاصصة في قطاعات الدولة ومكاسبها، والذهاب نحو دولة مؤسسات حقيقية.
غياب التخطيط
أما التهديد الثالث، فهو غياب التخطيط على المستوى الرسمي، وبالتالي فإن أي جهد أو تدفق مالي قد يتبخر جراء فوضى السياسات العامة، أو سوء الإدارة، لاسيما أن البلاد لم تنشء وزارة للتخطيط، وهي لا تعطي أهمية للهيئات التي تعنى بالتخطيط والتفكير وإعطاء الآراء، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يُعتَبر في دولٍ أخرى عديدة من العالم مؤسسةً أساسية ترسم السياسات العامة البعيدة للدولة، وتحقّق التناغم والانسجام بين توجهاتها المختلفة، وتقيس أثر سياساتها على المواطنين، وتأخذ آراء هؤلاء المواطنين بالسياسات وتُعيد نقلها إلى صانعي القرار.
ويبقى التهديد الأكثر خطورةً، ذلك الذي تمثله إسرائيل التي تشترك مع لبنان بالحدود البحرية، حيث تتداخل الخزَّانات الغازية الجوفية تحت البحر بين لبنان وفلسطين المحتلة. وهو تهديدٌ يبرز الحاجة إلى نموذجٍ لبناني فريد من المواجهة يقوم على المضي بمشروع الغاز من جهة، وحمايته من جهةٍ ثانية، لحماية حقوق اللبنانيين في ثرواتهم.
ويخوض لبنان نزاعا مع إسرائيل على منطقة في البحر المتوسط تبلغ نحو 860 كيلو متر مربع تعرف بالقطاع رقم 9 وهي غنية بالنفط والغاز. وأعلنت بيروت في يناير/كانون الثاني 2016 إطلاق أول جولة تراخيص للتنقيب فيها.
منافسة كبيرة
ومن أهم العقبات التي قد تواجه الحلم اللبناني، هي الوفرة العالمية والإقليمية المتزايدة في الغازوالتي انعكست بالفعل على أسعاره.
وبالرجوع إلى عام 2010، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية،أن شرق البحر المتوسط وليس لبنان وحده يحتوي على أكثر 3.5 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج.
وتبلغ الموارد الهيدروكربونية التي تم العثور عليها حتى الآن 2.1 تريليون متر مكعب وتقع جميعها في حوض الشام الذي يمتد على المياه الإقليمية لقبرص وإسرائيل والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا.
ويقع الحقل المصري (ظهر) على بعد حوالي 90 كيلومترا من حقل (أفروديت) القبرصي، وعلى بعد 7 كيلومترا من ليفياثان الإسرائيلي.
وبالرغم من أن الدراسات الإستقصائية الأولية تشير إلى احتياطيات كبيرة من الغاز في الجرف اللبناني، فإن قرب حقول الغاز يجعل التنقيب المشترك مفيداً بشكل خاص في ظل المنافسة الشديدة بين مصدري الغاز، ليس فقط إقليميا وإنما عالميا.