روسيا تتّبع سياسة "الأرض المحروقة" في أسواق النفط
حرب أسعار تنتظر الذهب الأسود بدأتها موسكو
خاص- الطاقة
- شركات النفط الروسية "مصدومة" من قرار الحكومة الرسمي، وتصفه بـ"غير العقلاني"
- روسيا كانت أكثر المستفيدين من التعاون مع أوبك+
- السعودية تخفض الأسعار تماشيًا مع وضع السوق، وتزيد الإنتاج للتعويض عن انخفاض الأسعار
قلبت روسيا الطاولة على الجميع، وأنهت من جانبها اتّفاقًا حافظ كثيرًا على استقرار أسواق النفط، من خلال توزيع الحصص بين الدول، وبالتالي مستويات أسعار مقبولة لمعظم المنتجين، والأهمّ الإسهام في دعم الاقتصاد العالمي، والملفت في الأمر، أن القرار لقي معارضة شديدة من قادة صناعة النفط الروسية تجاه الموقف الرسمي الروسي.
غير أن مشكلات روسية داخلية، مثل رفض شركات النفط الروسية الكبرى ذات النفوذ، تخفيض إنتاج النفط من جانبها لصالح الشركات الأميركية ونفطها الصخري، كان مبرّرًا، غير مقبول، أو بالأحرى "غير عقلاني"، من جانب موسكو لرفض تعميق تخفيض إنتاج النفط في اجتماع أوبك+، الذي انتهى الجمعة الماضي دون اتّفاق.
ومازالت أوبك المكوّنة من 13 عضواً وشركاؤها العشرة الذين يشكّلون معاً "أوبك+"، يرتبطون باتّفاق توصّلوا إليه عام 2017 لخفض الإنتاج طوعياً بـ1,2 مليون برميل يوميًا، جرى رفعه إلى 1,7 مليون برميل ديسمبر /كانون الأول الماضي، بالإضافة إلى خفض سعودي طوعي بـ400 ألف برميل يوميًا، حتى آخر مارس (آذار) الجاري.
*روسيا أكثر المستفيدين من أوبك+
مقابل الخفض الطوعي من السعودية، بهدف الحفاظ على سلامة السوق، وبعد التعاون المشترك على مدار 3 سنوات، والنتائج التي جنتها الدول الأعضاء، كانت روسيا أكثر المستفيدين من أوبك+.
إذ قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤخرًا: إن التعاون في إطار أوبك+ "أثبت أنها آليّة فعالة للحفاظ على الاستقرار طويل الأجل في أسواق الطاقة العالمية". وتابع في اجتماع عقده مع شركات النفط في بداية الشهر الجاري: "بفضل ذلك حصلنا على إيرادات أعلى للميزانية، والمهمّ أنه أتاح لشركات التنقيب والإنتاج إمكان الاستثمار بثقة في مشروعات تطوير واعدة".
وتعاون روسيا في إطار أوبك+، زاد من إيرادات ميزانيتها، وأتاح لشركات التنقيب والإنتاج إمكان الاستثمار بثقة في مشروعات تطوير واعدة، وبدون هذا التعاون يُتوقّع أن تنخفض إيرادات الميزانية الروسية، وأن تخفض الشركات الروسية الاستثمار، وبالتالي التنقيب والإنتاج.
يوضّح هذا التضارب، بين رؤية بوتين الأسبوع الماضي، وموقف حكومته يوم الجمعة في اجتماع أوبك+، أن سياسة "الأرض المحروقة" التي قرّرت روسيا اتّباعها، برفضها المشاركة في تعميق تخفيض الإنتاج، 1.5 مليون برميل يوميًا، وإشاراتها إلى بداية حرب أسعار، من خلال انسحابها الواضح من الاتّفاق نهاية مارس الجاري، ستضرّ بالضرورة ميزانيتها وعملتها المحلّية (الروبل)، وبالتالي شركاتها النفطية.
ويقصد بـ"الأرض المحروقة" هنا، أن قرار روسيا سيهبط بالأسعار لمستويات أقرب إلى مستويات عام 2016، عند 27 دولارًا للبرميل، فضلًا عن سياسة حرق الأسعار للحفاظ على الحصص السوقية، ومن ثمّ فإن العشوائية في أسواق النفط تتحمّلها روسيا وحدها، التي ربما تراجع نفسها بعد هبوط الأسعار لمستويات أقلّ من المستوى المعتمد في ميزانيتها عند 42 دولارًا.
*صدمة روسيّة من قرار روسيا
عبّرت شركات روسية، صراحة، عن خيبة أملها، وأنها في حالة "صدمة" من موقف الحكومة الروسية، تجاه عدم استمرار التعاون مع أوبك+. إذ قال الملياردير الروسي ليونيد فيدون، نائب رئيس، والمالك المشارك في شركة النفط الروسية "لوك أويل"، لوسائل إعلام محلّية، مساء الجمعة: "إنه قرار غير عقلاني"، متوقعًا خسارة بلاده ما بين 100 إلى 150 مليون دولار يوميًا، نتيجة هذا القرار.
ولم يتمكّن من التعليق على الأسباب التي دفعت روسيا لهذه "القطيعة" مع التخفيض الإضافي، واكتفى بالقول: "لا أزال تحت تأثير حالة صدمة". موضحًا أن زيادة الإنتاج من جانب شركات النفط الروسية، لن يعوّض الخسائر المتوقعة.
وفي حديث لموقع ""The Bell"" قال مارسيل صاليحوف، مدير دائرة الاقتصاد في معهد الطاقة والمال التابع للمدرسة الروسية العليا للاقتصاد: "نتحدّث ثلاث سنوات عن الاتّفاقية المربحة، ومن ثم ننسحب منها في لحظة أزمة حادّة، وصدمة من جانب الطلب، أمر غريب يصعب فهمه"، وعبّر عن قناعته بأنه "في الوقت الحالي تحديداً لم يكن من داع للانسحاب من الاتّفاق".
أمّا سيرغي رومانتشوك، رئيس مؤسسة "ACI Russia " (جمعية الأسواق المالية)، فقد حذّر من تداعيات الموقف الروسي خلال اجتماع (أوبك+) على سعر الروبل، مشيرًا إلى أن "قواعد الميزانية" وفّرت دعمًا للروبل، حالت دون تعرّضه لتقلّبات حادّة، وأن الأساس في ذلك الدعم "إيرادات النفط الإضافية"، حصيلة الفارق ما بين السعر المعتمد في الميزانية الروسية (42 دولارًا للبرميل ماركة أورالز)، والسعر في السوق العالمية، وقال: "ما إن يصبح سعر النفط أدنى من المعتمد في الميزانية، ستوجّه التقلبات ضربة أقوى للروبل"، ولم يستبعد هبوطه حتى مستوى 70-75 روبل أمام الدولار.
ورغم الغضب الذي أبداه الداخل الروسي، بعد موقف الحكومة، علَت أصوات داخلية شبه رسمية، تشير إلى تصريحات بوتين الأسبوع الماضي عن: "صعوبة التنبّؤ بتحرّكات أسعار النفط في المستقبل، وينبغي أن تستعدّ روسيا لشتى الاحتمالات".
وانخفض سعر خام القياس العالمي برنت نحو 10% يوم الجمعة إلى 45.27 دولارًا للبرميل، وهي أكبر خسارة في يوم واحد خلال 11 عامًا. وفقَ خام برنت بذلك نحو ثلث قيمته منذ بداية العام الجاري، ممّا يضع الدول الشديدة الاعتماد على النفط والعديد من الشركات النفطية تحت ضغط كبير، في الوقت الذي يترنّح فيه الاقتصاد العالمي بسبب تفشّي فيروس كورونا، الذي أضعف نشاط الأعمال وجعل الناس يحجمون عن السفر.
*بداية حرب أسعار
قررت شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط، تخفيض أسعار النفط الخام الذي تُصدّره إلى آسيا بمقدار بتراوح ما بين 4 و 6 دولارات للبرميل في شهر أبريل (نيسان) المقبل. كما خفّضت أرامكو أسعار النفط الذي تصدّره إلى أميركا بمقدار 7 دولارات للبرميل، بصورة فاقت التوقّعات.
ومن المتوقّع أن تزيد السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، إنتاج النفط إلى أكثر بكثير من عشرة ملايين برميل يوميًا في أبريل (نيسان) المقبل.
جاءت تلك القرارات ردّة فعل على حرب الأسعار التي بدأتها روسيا على لسان وزيرها للطاقة ألكسندر نوفاك يوم الجمعة، بإنهاء تعاون بلاده مع أوبك+، ووضع مستقبل التكتّل على المحك، إذ قال "بالنظر إلى القرار المُتّخذ، بدءًا من أوّل أبريل / نيسان، لم يعد مطلوبًا منا أو من أي من دول أوبك أو الدول غير الأعضاء في المنظّمة القيام بتخفيضات إنتاج (نفط)".
وردّ الفعل الروسي، يُعدّ بداية حرب أسعار في أسواق النفط، ولم يكن يناسب ما تنادي به منظّمة أوبك، للتصدّي لانخفاض الاستهلاك العالمي من الذهب الأسود، والتي -بناء عليه- اقترحت على شركائها خفضًا إضافيًّا في الإنتاج.
ويقضي مقترح أوبك -الذي دعمته السعودية بقوّة- بخفض إضافي للإنتاج بـ1,5 مليون برميل حتى نهاية العام. ولإقناع حلفائها، قررت أوبك أن تطلب منهم أن يتحمّلوا فقط ثلث مجمل الخفض الجديد، أي 500 ألف برميل يوميًا.
وتكمن الأولوية بالنسبة لروسيا -ثاني أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة- أيضاً، بعدم تقديم تنازلات للخصم الأميركي الذي يستخرج يومياً أكثر من 13 مليون برميل نفط، ويصدّر ما بين و3 و4 ملايين برميل في اليوم.
لكن هذا المبرّر يقود السوق للتعامل الحرّ، قد يسميه بعضهم (حرب أسعار)، لأنه من غير المنطقي أن تتحمّل منظّمة أوبك وحدها عبء توازن السوق، في ظلّ عدم التعاون من قبل روسيا ودول منتجة خارج المنظّمة.